لدي وقت فائض مثل ذلك الذي يقضيه وزراء الخارجية العرب في رأب الصدع، وبحث التعاون المشترك، والفتوى بقبول كيلومترات من ثلث فلسطين.. وهذا يعني أني يمكن أن أفعل شيئاً مفيداً، كأن أكتشف لقاحاً لعلاج فيروس كورونا، أو أصنع وحدة جديدة لقياس الوقت الضائع، أو أفكّر بالصعود إلى القمر.. وهذه تحديداً سأصرف في سبيلها كل مالي الحر، فقد كان الجميع يعايرني أني أهدر الوقت العلمي المفترض في سماع أغنية واحدة لعشرة أيام، وكأن كل الذين كانوا يعايرونني هم من مواليد بلوتو.. قبل النكبة.
أعمل لتسع ساعات يومية، وأكتب نصوصاً أخجل منها، أجلس في مقهى على الشاطئ مع امرأة يراودها البحر، وأفكّر في امرأة برية، أذهب برفقتها إلى السوق المكيّف، نشتري ملابس الموسم، ولإرضائها أكثر آكل معها طعاماً يابانياً نيّئاً، نراقب السيّاح الصينيين.. أقول لها إن أستاذ علوم الأرض كان يعايرني أن الوقت الذي أهدره في علم العروض يستغله طالب صيني في صناعة آلة حاسبة. كنت أحزن، وأشعر أني مقصر بحق الأمة التي لا تعرف من الاختراعات سوى طهو الأرز.. كان عليّ إذن أن أجمع ابن سينا وابن النفيس والرّازي في نطفة واحدة.
تأكدت متأخراً أني لست كائناً مفيداً، فساعات العمل اليومية لم تتح لي تطوير سترة ثورية يمكن أن تتحول إلى خيمة للاجئين، والجلوس الطويل أمام البحر لم يمكنني من فهم مزاجه الثوريّ، رغم أني كنت طالباً مشاغباً أخرج في مظاهرات كانت جادة تماماً لإسقاط معاهدة وادي عربة، ولما ادّعيت الإصابة بهشاشة العظام، اكتفيت بكتابات تتجاوز القدرات الذهنية للرقيب، وظننت أن هذه الكتابة الملغزة يمكن أن تقلِب كل ما هو مستقرّ.. الآن سيكون حظّي جيِّداً إن انتبهت لي امرأة، وأنزلتْ ساقاً عن ساق لتلتقط اسمي.
لن تتيح لي كلّ قدراتي العلمية أن أكتشفَ لقاحاً مضاداً لفيروس كورونا، ففي الوقت الذي كان فيه طالب ياباني يبتكر درّاجة تعمل بمحرك طائرة، كنت أتمنّى أن يكون الثالث عشر من تشرين الأول عام 1992، هو يوم القيامة، حتى يُلغى امتحان اللغة الانجليزيّة، ودرس القسمة على عدد عشري، وكيف لي أن أكون “علمياً” ولم أعرف أن الأرض تدور حتى ذُكر ذلك صراحة في أغنية فصحى عن حبّ عبثيّ.. كيف؟ وأنا طالب أدبي سابق كان أكبر همّ لي أن أجعل ناقتَها تحبّ بعيري.
لديّ وقت فائض مثل ذلك الذي يقضيه وزراء الخارجية العرب في كتابة بيان على البحر الكامل، أشاهد فيه مسلسلاً إسبانياً مشوّقاً، أحرص على أن يكون تصنيفه فوق 18، وفيلماً عربياً ساذجاً، عن كائن الغباء منه وفيه، ومسرحية لعادل إمام محفوظة في تلفازي لطرد الكآبة الموسمية.. أشاهد أيضاً مباراة إيطالية في كرة القدم لا ناقة لي فيها ولا بعير، وأتلصّص على سلافة معمار في انستغرام، وحين يباغتني خبر عن اقتراب فيروس كورونا، أتناول قرصين من بندول نايت!