قالت الزوجة لزوجها في بُرودٍ: هذا الصباح لا بُنّ لدينا، يمكن أن تشرب الشاي الأخضر. وقالت لابنها الشاب: هذا الصباح لا خبز فرنسياً عندنا، يمكن أن تضع شرائح الجبنة الصفراء في الخبز العربيّ الساخن. وقالت لابنتها المدللة: هذا الصباح علبة النوتيلا فارغة، يمكن أن تكتفي بالبيض المخفوق. تذمّر الأب بكفّيه وشفتيه، وضرب الابن جبينه، ورمت البنت كلمات جارحة في عبّها.
قال الزوج لزملائه: البطولة هي الصمود من دون قهوة مُرّة حتى التاسعة صباحاً. وقال الشاب لأصحابه: البطولة أيضاً خبز عربيٌّ وعسر في الهضم. وقالت البنت لزميلاتها: البطولة كذلك بيضٌ مخفوق بدلاً من النوتيلا. مرّ نصف نهار، انشغلت الزوجة عن إعداد وجبة الغداء بمشاهدة برامج السهرة معادة. وضعتْ مكعبات البطاطا، أضافت إليها البيض، والملح، والفلفل، وقالت للزوج، والابن، والابنة: هذا غداؤنا.. صحّتان وعافية.
ضرب الزوج الطاولة بكفيه، أطلق الابن من فمه هواء غاضباً، عبّرت الابنة عن خشيتها من أن تعثر في ملابسها على قشر بيض. قال الزوج إنّه يريد على العشاء “ستيك” بقري بالفرن، وأسرف بشرح تحضير البطاطا المهروسة. وطلب الابن ثماراً بحرية مع الباستا، وأعطى أمه وصفة من يوتيوب لإعداد الخبز الفرنسيّ بالثوم والجبن. الابنة وضعتْ أصابع كفها اليمنى أمام فمها، وهي تعدُّ الخضراوات واللحوم التي تريدها على رغيف البيتزا، واحتاجت إصبعاً من كفها اليسرى.
دخلت الزوجة المطبخ الأميركي، ووَعَدتْ الزوج والابن والابنة بإعداد الوجبات، فقد كانت تخشى “ثورة جياع” من زوجها وابنها، وتأثير الطعام الناشف على تحصيل ابنتها في الفيزياء والنحو. انهمكتْ ثلاث ساعات في إعداد العشاء: لحوم حمراء، وبيضاء، وخضراوات أحضرها الابن نديّة من المتجر الفرنسي. الزوج خرج وعاد بزجاجة نبيذ محليّ، والابنة قتلت الوقت الثقيل بأغنيات خفيفة. اكتملت سفرة العشاء، وقبل أن تلتقط أيديهم الأدوات المعدنية، قالت الزوجة في خجل إنّ كمية الملح كانت ناقصة، فاضطرّت إلى توزيعها رشّات صغيرة على الوجبات.
تذمّر الزوج، ومال فم الابنة يساراً، الابن لم يكترث، فقد بدأ تناول الطعام منذ لحظة نزوله إلى الطاولة. قال الزوج إنّه كان بإمكانها إرسال رسالة على الهاتف المحمول أثناء خروجه، أجابت الزوجة بنبرة عالية، وتدخّلت الابنة لفضّ الحوار. الصوت طغى على نشرة الأخبار التي كانت تنشر أعداداً غير ثابتة للأطفال الذين يموتون جوعاً في غزة، وتحكي أنباء لا تصدق عن صناعة الفطائر من علف الحيوانات، وندرة السكر والملح وكل ما هو أبيض أو أحمر، واختتم التقرير بقلق من مجاعة وشيكة في القطاع الذي كأنه يحارب العالم أو عن العالم.
(توقفتُ هنا، في التاسعة مساء، عن كتابة المقال. كنتُ أشعر أن جسمي فارغ من شدّة الجوع. طلبتُ من مطعم سعودي وجبة أرز بخاريّ مع دجاج مظبي، وكنافة بالقشطة، واشترطتُ أن تكون معها علبة قَطْر زائدة. الطعامُ كان مالحاً، ولم تأت علبة القطر الزائدة، فهاتفتُ مسؤول المطعم محتداً. اعتذر منّي بأدبٍ مصري بالغ، واقترح إرسال وجبة أخرى، لكنّي رفضت، واكتفيْتُ بوعده أن يكون الملحُ مضبوطاً في المرة المقبلة، وألاّ ينسى علبة القَطْر الزائدة.
.. وعدتُ إلى الجهاز لاستكمال المقال، لكنّي لم أجد شيئاً أكتبه. كانت المذيعة في الفقرة الصحية تقول إنّ من علامات الخجل: احمرار الوجه والأذنين، ارتفاع جزئي في درجة الحرارة، والشعور بهروب الكلام)!