حتى لو كنتَ فلسطينياً، لن تعرف ماذا يعني أن تكون غزّياً
يعني أنك حين تبني بيتك لن تهتمّ للون الستائر، ولا لتجانسها مع لون الحائط. الحائط أيضاً لن تحرص على تمتينه، ربّما فقط بآية “الكرسي” أو بجواب عن سؤال “لماذا تركتَ الحصان وحيداً”. وحين تكون غزياً لن تضع على الجدار صورة أبيك، فلا تحب له أن يموت مرة ثانية، فهي حرب أو أخرى وستسقط جدران البيت على أحيائه وأمواته.
حتى لو كنتَ فلسطينياً، لن تعرف ماذا يعني أن تكون غزّياً
يعني أنك حين تنجب طفلاً لن تخاف عليه من اليرقان، أو التهاب متكرر في البلعوم، وإن كبر قليلاً لن تمنع عنه السكريات وتخشى على أسنانه من السوس، وإن كبر أكثر ستخجل من منعه أن يلعب كرة القدم حتى يحفظ حِكَم زهير بن أبي سلمى. قد يكبر أكثر ويتجنّب حرباً أو أخرى، وفي الثالثة ستفتقده مع كرة القدم، وفي الرابعة ستقول: كان “الشهيد” أجمل من حِكمة.
حتى لو كنتَ فلسطينياً، لن تعرف ماذا يعني أن تكون غزّياً
يعني أن تسامح أخاك على ارتداء قميصك الأبيض، وتتغاضى عن الشَعر الذي تمرّد على حجاب أختك، وتمازح أمك على تكرار طبخها لـ “فتة العدس”، وتغفر لأبيك تسميتك بأحرف ناعمة، ولا تخطط للزواج من ابنة عمّك الشلبية، لملء غصن طرأ على شجرة العائلة، فهي غارة أو أخرى وفي الثالثة سنقرأ خبراً عاجلاً عن خروج عائلة كانت لا تتذمّر من “فتة العدس” من السجلّ المدني.
حتى لو كنتَ فلسطينياً، لن تعرف ماذا يعني أن تكون غزّياً
يعني أن تقول “صباح الخير” كأنك تغني ضد الموت، و”مساء الخير” كأنّك تقرأ رثاء في النهار. ويعني أن تتجنب أن تقول غداً، وتحذر من المشي وراء “سين” المستقبل، والأشهر التي في الروزنامة مجرّد وعود، والسنوات التي لم تأتِ تنتظرها حتى تأتي إليك، ويعني أن تعرف أنك معفى من إثم ما لم تفعله بعد “إن شاء الله”..
وماذا يعني أن تكون غزياً.. أن تكون شهيداً وإنْ نجوت.
…
حتى لو كنتَ فلسطينياً، كُن غزّياً