ضعي السكّينة على عنقي، واحرصي كأيّ قاتلة محترفة على ألا تكون حادّة، هذا يؤخّر الموت، ويجعل المشاهدة تنزّ ألماً. قولي أيّ كلام نحويٍّ لتبرير قتلي أمام شاشة الهاتف المحمول المثبتة على صخرة. قولي مثلاً إنّي عاشق عاق، وغاو كالشعراء، وأنّك كنتِ تحبّين المساء الدافئ والبحر الميّت وشعر محمود درويش وموسيقى عمر خيرت، وأنّي، بغلاظة الرّجال، دفعتكِ لأن تكوني امرأة من إماء داعش، ولمّا وقعتُ في الأسر، في حبكة مفتعلة، جثوتُ أمامكِ باللباس البرتقاليّ المشؤوم، وفي خارج الكادر كميّات كافية من معجون الطماطم، لأنْ يسيل دمي كلّ دمي، ورأسي تتدحرج على الرمال الساخنة، في أول حلقة من مسلسل الحبّ والحرب والكذب، بفواصل إعلانيّة عن أنواع مضمونة من السمك واللبن والتمر هندي.
تعالي نجلس على مقهى الحلميّة. أنتِ بريئة الملامح، وساذجة كريفيّة تصادفُ الحبّ في المدينة، يمكنْ إذن أنْ تكوني “زُهْرة” بصيغة آثار الحكيم، وأنا كئيبٌ ولي خيبات مزمنة في الحبّ والسياسة، فيمكن أن أكون “علي البدري”، كما كنتُ من قبل ممدوح عبد العليم. لا أمل في أن يستمرّ الحبّ، وليس مضموناً أن يستمرّ جريان النيل، حتى السدُّ لم يعد عالياً، وراج كلام كثير أنّ الريِّس اعتذر عن إلقاء خطاب في المنشيّة. الرصاصة لم تصبه، لكنه مات كما ستثبتُ أحداث المسلسل، وجاء رئيس بـ جلابيّة، قُتلَ بتدخل دراميٍّ شديد التعقيد، ثمّ كان أبو الهول، واستمرّت جلسته بوضعيّة ساق على ساق ثلاثين عاماً، هي كلُّ الأحداث حتى الجزء الخامس: مات الأبطال وبقي الكومبارس، وجاء ثلاثة رؤساء آخرون، لإثبات أنّ الرضا يأتي من “الإيمان بالقضا”.
منذ عشرة أعوام وأنتِ تتعلمين فنون الطبخ الشاميِّ، وتغليظ الكيد النسائي في مداولات مكشوفة في أرض الديار، وتنتظرين رجلاً لم يأذن له المخرج بالدخول، وباب الحارة هذا العام واسع، يحتمل دخول قبضاي مثلي في أجواء الجزء الثامن، فقد تمرّنت جيّداً على الرجولة القديمة، وصبرتُ على تمتين طرفي الشاربين، وفي مشهد ذكوريٍّ كنتُ آكل بشراهة، ثمّ أستشيط، وأكسر طبقين عارمين. استحلفتِني ألا أغضب بشامية حميمة تنتهي بـ “ابن عمي”، لكنّي ثرتُ، والمؤلف العقر زوّدني أيضاً بحيل ثورية لأمكر بالجنود الفرنسيين الشقر، ففي الحلقات الأخيرة تقتضي الضرورة الدرامية أن يسخن الحس الوطنيّ، ويقتحم القبضايات مخفر الدرك، ويتساقط جنود مدرّبون على الموت السريع، ويسقط علم “فْرانْسا”، وتندم فرنسا الكبرى على خطيئة ستجعلها، بعد خمسين عاماً، “جرسة” رمضانية.
سأموتُ في الحلقات الأخيرة، كما يفعل البطل الثاني دائماً، تجنباً للشرط الجزائي، سأتلقى الرصاصة في قلبي قبل أن تصل قلب البطل الذي لا بد أن ينجو في حيٍّ عشوائيٍّ لا تصله الحياة. أستعدّ للموت في أي مشهد خارجيِّ بعد الخامس والعشرين من رمضان، بطعنة في الظهر، وحادث “عَربِيّة” على طريق الإسكندرية، بسقوط مريب من قمة المقطّم، وملعقة بيضاء في عصير القصب، بقرص حشيش زائد على الجرعة، وإن نجوتُ، أو كان للمخرج مَخرجٌ آخر للقصة، وإنْ استبقاني المؤلف بإيعاز من المنتج المنفذ إلى الجزء الثاني، ضعي سكينة داعش على عنقي، واحرصي ألا تكون حادة، وقولي مثلاً في تلفيق التهمة أنّي خرجتُ حياً من مسلسل رمضاني.