مات سعيد صالح، كما تموت ضحكة عجوز في السادسة والسبعين، وذهب خالد صالح كما يذهب الرجال لتجربة الغيب في الخمسين. وغابت صباح مثلما يغيب النهار جمعتين عن سيدة نسي الجيران أنّ لها باباً ونهاراً محتملاً. وآثر نور الشريف الوفاة المبكرة قبل أن يصبح جَداً يكون موته في مشهد سينمائي ضرورة فنية. وطعن صلاح السعدني في الكِبر حتى جايل العمدة سليمان غانم في الحول الثمانين، وما عاد يحيى الفخراني بحاجة إلى مكياج زائد لمشهد شيخوخة سليم باشا.
أخاف أن أطيل النظر في تجاعيد عنق عادل إمام، فأصدّق أنّ أربعين عاماً مرّت بكلّ خطوطها على جلد شاهد زور، كان يصادق الأرانب الطيّبة، ويخجل من النساء الجَسورات، ويعتقد أنّ السياسة دفع فاتورة هاتف غير موجود في الخدمة. وأخشى، أخشى كثيراً أن أرى الشّعر الأبيض في رأس محمود عبد العزيز، فينكسر اعتقادي القويّ أنّ الذهب أيضاً يمكن أن يصاب بالشّيب، كأيّ إنسان فان، كأيّ جاسوس وسيم، يدخّن بشراهة، ويفتن النساء اليهوديّات، ويبكي عبد الناصر، أو زمنه.
أرثي لكم الأسماء المكتوبة بالأبيض النقيّ على شريط “التِتْر” المتحرّك، وأحنّ إلى الكلام الأسود في الصحف الصفراء عن الخلافات التي كانت بين نجوم الأرض على ترتيب الأسماء، وحجم الخط، ومن في أول الشاشة ومن في آخرها. كان إذا التقى نجمان كبيران كسحابتين لا تحتملان سماء واحدة، ابتكر المخرج حلاً في الوسط، بأن يدخل اسميهما من طرفيِّ الكادر بالتزامن، ببطء دخول عروسين من طرفيّ القدر، ويتأخر طرح الفيلم موسمين كاملين بانتظار الحسم: من يأتي اسمه من اليمين، ومن يأتي من اليسار، ولن يختلف الترتيب بعد نصف قرن، بين من هم سابقون ومن هم لاحقون.
أرثي القناة الأولى، والثانية في ساعات الذروة، فاصل الإعلانات عن العلكة النفاذة التي للقُبل المباغتة في المصاعد، مذيعة بمشتقات اللون الأحمر تتمنّى لنا سهرة ممتعة، ونلمح ابتسامة دعم محدود منها للأمّ. أرثي دعاء الجدات على الشرير بالكسر، وللبطل الطيّب بـ تيسير الأمر، وخجل العائلة من الحبّ بالنظرات بين آثار الحكيم وممدوح عبد العليم، وشتائم الجدِّ على قلة الحياء في مشهد إنجاب بطل للنهاية. أنعي لكم أحلامي الواقعية بالزواج من ليلى علوي، وأن أكون النمر الحنطيّ أمام أحمد زكي، وأنْ أعلو نجماً قبل أن يمكن اختصار النجومية بقامة محمد هنيدي.
كيف يمكنني أن أنام هذه الليلة التعيسة بسلام، وأنا أشاهد فيلماً يبدو كوميدياً من إنتاج عام جديد من القرن القديم، كلّ أبطاله ماتوا أو ذهب الآخرون إلى موت أوّلي. حتى التحايل النفسي بالذهاب إلى السينما ومشاهدة فيلم أبطاله من “الوجوه الجديدة”، يعود إنتاجه إلى العام القديم من القرن الجديد، لن يريحني، فسأنشغل ساعتين من العرض الخفيف في رسم مصائر الأبطال بعد عشرين عاماً جديداً: سرطان، شيخوخة مبكرة، جريمة ضدّ مجهول، أزمة قلبية أثناء تعاطي الحشيش.