أنتَ، ككاتب عربيّ غير محدّد الوزن، ممنوع عليكَ أن تنبهر مثل ولد في العاشرة، بمهارات ليونيل ميسي الكرويّة التي يعجز عنها حتى السِحر، وإنْ فكّرتَ أن تتفاعل وتكتب في وصف قدمه الموسيقية، وأهدافه القادمة من المستقبل، سيخرج عليك صوتٌ غرابيّ تألفه أذنك، يسأل باستنكار توبيخي: “هل هو صلاح الدين الأيوبي”!
تتراجع لأنكَ تخشى أن تُنادى بالكاتب الخفيف، فتستذكر أحمد زكي وحكاياته الغريبة في التقمّص أثناء الاستعداد للأدوار التي كثير منها صار خالداً، أو تحكي عن عصبيّته الزائدة في الفندق الذي كان يقيم فيه لأنه كسول في خدمة نفسه، فيكتب لك قارئٌ أثناء جلوسه أمام القناة الرياضية لمشاهدة ميسي “.. أكمل، أكمل، قلْ إن أحمد زكي بمنزلة صلاح الدين الأيوبي”!
وهكذا إنْ كتبتَ، أيها الكاتب الخفيف، عن عاشق بلا حديقة، أو مغنٍ ونصف راقص، عن النادلة التي فيها خمسون في المائة من أنجلينا جولي، أو عن أنجلينا ذاتها، أو إن كتبتَ في الألم الذي تسبّبه أغنية “الأماكن”، وإن حاولتَ، يا لجرأتك، أن تستذكر خمسة أفلام لعادل إمام تظهر فيها موهبته الخام، سيوقفك الرقيبُ الداخليُّ، ويعيدكَ إلى رشدك، ويأمرك بالكتابة من وحي “حطين”.
وكلما كتبتَ في شأن أقلّ من “حطين”، يتفق القراء العرب من الصحراء إلى الصحراء، على أن يشهروا في وجهكَ اسم صلاح الدين وأسماء معاركه المباركة، لتشعر أنك كاتب “أي كلام”، وبلا كعب، مشغول بتوافه الأمور، ولا تحبٌّ من الثمار إلا قشورها، كما أن انتباهك لا يتوقف إلا عند المبشّرين بالنار.
عليك، أيها الكاتب الخفيف، أن تظل تكتب في دروس وعِبر حصار عكا، فيما القراءُ العرب الذين يشهرون اسم صلاح الدين في وجهك مثل شاخصة مرورية حادة، يشاهدون أحمد زكي ويستغربون كيف استطاع إقناعهم بأنه السادات وأنه عبد الناصر، ويضعون أيديهم على رؤسهم انبهاراً بتمريرة ميسي الإعجازية التي استغنى فيها عن عينيه، كأنّكَ أيها الكاتب الخفيف، مثل “الخادمة” في تلك الصورة المؤلمة: عائلة على طاولة في مطعم تأكل بشراهة أصنافاً غير متاح عدُّها، والخادمة على طاولة أخرى تعدٌّ لقماتهم.
أنا كاتب خفيفٌ أيضاً، وأحياناً تافه، فمرات أكتب بعدما أصفن في النمش الذي على كتف منّة شلبي، ولديّ أسئلة معلقة بالغة الخفة، كأن أحتار في أمر الشيب المخفي في لحية كاظم الساهر. كان في حياتي القصيرة أوقات فراغ طويلة أنفقتها في محاولة الصعود إلى مزاج محمود درويش، وعدِّ أكواب الشاي في شعر نزار قبّاني، والجزم بأنّ بدر شاكر السيّاب لو كان سعيداً لما كان شاعراً.. أما تحرير فلسطين، رغم أني أتمناه من الماء إلى الماء، إلا أني لا أستطيع الكتابة عنه كلما فتحتُ ورقة للكتابة، ولديّ حكمة أخذتها من نكتة مجدفة، بأن تحرير فلسطين لن يكون على عهدي!