تدخل زوجتي إلى كتابي الأزرق كلّ مساء بعد نومي المضطّرب بجانبها، تستعرض باللمس الخفيف قائمة النساء اللواتي ضغطن برفق على زرّ الإعجاب بصورتي الشاطئية. تختار أجملهنّ، فتدخل إلى صفحتها، وتستعرض باللمس المتوتّر منشوراتها المحدودة القيمة، وتجد منّي إعجاباً مؤكّداً على صورتها الجبليّة، وهي ترخي بفتنة دخّان النرجيلة من فمها الكَرَزيّ.
تتوتّرُ. ترمي هاتفها الذكيّ ثمّ تستعيده، وتعود إلى الصورة الجبليّة، تفتّشُ بين أكثر من مائتي مهووس جنسيّ عن تعليق لي، لكنّها لا تجد أثراً لصورتي، تتأجّج الظنون ببالها المحموم، فحتماً هناك شيء خاص في التراسل غير المرئيّ. أستيقظ على إشعار يقول كصديق مشترك: زوجتكَ حاولت الدخول إلى صفحتك أثناء نومك!
أذهب لمائدة الإفطار في المطبخ الأميركيّ، مستعداً لاستجواب سي آي ايه العائليّ. قلتُ مدافعاً: إنّها نجمة تواصل اجتماعيّ، وقلتُ أيضاً: كان إصبع الإعجاب واحداً من آلاف الأصابع أسفل صورتها. استمعتْ بصمت ضابط متقاعد جيء به لخطورة الحالة. فقلتُ مجيباً عن صمتها: لا رسائل بيننا.. أنا على الشاطئ، وهي فوق الجبل.
أرسلت زوجتي طلب صداقة شديد الإلحاح للسيّدة المشتبه بها. ثم أرسلت لها رسالة هذا هو نصّها: “إنّ سرقة زوج من عائلته جريمة حقيرة، إن كنتِ تخططين لذلك أنصحك بالابتعاد.. والسلامة”. ودخلتْ إلى صفحتها وأرسلت بلاغاً إلى إدارة الفضاء الأزرق، مفاده أنّ هذه المرأة الجبليّة تصطاد الرجال من فراش الزوجيّة.. والشواطئ!
حلمتُ أنّ زوجتي اهتدت بضربة حسابيّة واحدة للرقم السري لكتابي الأزرق. رأيتها تفتح صندوق المحادثات، وتقرأ غزلاً مغشوشاً أرسلته لنساء مستعدّات للحب. حاولتُ الصحو، لكنّي كنتُ مثل محكوم بالإعدام يُحقن بالسمّ. شاهدتْ كلّ الصور، واستمَعتْ إلى الكلام المتبادل المُسجّل بالصوت. لم أصدّق أنّي استفقت، مسكتُ هاتفي، عانقته كمحكوم اعتِقَتْ رقبته!
ألغيتُ الرقمَ السريّ للكتاب الأزرق المكوّن من تاريخ ميلادي مضافاً إليه الرقم واحد للتمويه، وفكّرتُ برقم من المستحيل أن تخمّنه زوجتي: تاريخ تأميم قناة السويس، اليوم الملتبس لأول طلقة في الحرب العراقية الإيرانيّة، حاصل ضرب الحروب العربية الإسرائيلية بالحروب الأهليّة. لكنّي توقّعْت دهاءها وحفظها لي غيباً، فباغتها، ووضعتُ تاريخ ميلادها.
نمتُ مطمئناً بعدما أجريتُ حوارات عاطفيّة في صندوق الرسائل، ولم يقلقني أيّ كابوس. نمتُ هادئاً، وطويلاً، حتى إنّي لم أصحُ بموعد العطش. في الصباح، وعلى مائدة الإفطار، تبادلنا النظرات: عيناي صافيتان بالمكر، وعيناها تختنقان بالأسئلة. أخبرتها أني ذاهب إلى البحر، وبإمكانها أن تطمئنّ على وصولي حين أضع صورتي من الشاطئ.
خرجتُ، وفتحتْ كتابها الأزرق، تنقّلت بين صفحتي وصفحة السيّدة المشتبه بها. ساعة، ساعات كثيرة ولم يطرأ أيّ تحديث على صفحتينا. أجرت عدة مكالمات على رقمي، تركتُها معلقة في الانتظار الأطول من المشي أمام غرف الولادة. في السابعة والربع وضعتُ صورتي الشاطئية، في السابعة والثلث وضعتْ السيّدة صورتها الجبليّة. اطمأنّت زوجتي..
.. حين عدتُ فضحني الكرز.