الكائن العربيُّ، ومن نصف اضطجاعة على أريكته، يتنبّأ بمسار الحرب، ويحسم بإصبعه غير المحايد أيّ المتحاربين تصلح كفه لرفع شارة النصر. يعدُّد العربيُّ في سجاله مع أخيه العربيّ، أسماء الأسلحة التي ستحسم الحرب، رغم عيوبها غيرالمؤثرة، شريطة توفر قطع الغيار بسعر “طريّ”. والعربيُّ الذي كان آخر عهده بالسلاح، كلاشينكوف فارغ في دورة تدريب ربيعية، لديه كتالوج مقاتلات الجيل الخامس، وقائمة محدّثة بمزاياها، ودراية غير مشكوكة بصواريخها وبراغيها، فهو يعرف حتى مكان علبة المياه أو كوب النسكافيه قرب اليد اليمنى للطيّار.
لديه، الكائن العربيُّ، آراء حادة في الغرب المتوحّش، وأمريكا الشيطان والطاعون، وشتائم نابية في حقّ شقيقات الليبرالية. يُذكّر زوجته وجارتها المتقاعدة بماضي الغرب الإمبريالي، وجرائمه الموصوفة التي لا يمكن إنكارها. نعم لا يمكنك إلا أن تؤيّده، وتشدُّ على لسانه، فأمريكا هي رأس الأفعى لا شكّ، وماضي فرنسا الاستعماري لا يمكن غسله بمياه إيفيان، أما بريطانيا التي لم تكن تغيب عنها الشمس، فكان عقاب الطبيعة على عاصمتها بالضباب والغيم وقلة الضوء، هذا كله قبل أن تعرف أن نموذج الكائن العربي المفضّل في الحُكْم هو جمهورية كوريا الديمقطراطية الشعبية، لـ “وريثها العظيم” كيم جو أون!
عبر موقع تويتر الأمريكي، يشتم العربيُّ أمريكا والغرب المتوحّش، ومن خلال موقع فيسبوك الأمريكي، يدعو الله أن يخسف الأرض بالولايات الخمسين التي اتحدت على جثث الهنود الحمر. ومن مربّع على يوتيوب الأمريكي، يخرجُ بصوته وقصّة شَعره الغربية يهجو سياسة أمريكا ومشروباتها الغازية ووجباتها السريعة. يذهب إلى المظاهرة التي تشتم أمريكا بسيّارته الأمريكية، أو تلك القوية المتينة من ألمانيا.. الغربية. يبحث العربيُّ عن أي اختراع روسي يفيده، فلا يجد إلاّ ذلك المشروب الشفّاف الذي يجعله يحنّ إلى أيّام ألمانيا.. الشرقية.
يمرض العربيُّ فيسافر إلى لندن للعلاج الآمن، لا إلى بيلا روسيا. ينجح ابن العربيّ في الثانوية العامة فيرسله للدراسة في هولندا، لا في فنزويلا. يتجرّأ العربيُّ على انتقاد مسؤول البلدية في بلده، فيطلب اللجوء إلى كندا الملكيّة، لا إلى الصين الشيوعية. تُحتَلُّ بلد عربية أو تثور، فيهاجر سكانها إلى أوروبا القديمة، هناك حيث يتظاهر الألمان مطالبين حكومتهم بمرونة في الإجراءات لاستقبال مزيد من اللاجئين، بينما لا تفتح روسيا باباً واحداً على امتداد سبعة عشر مليون كيلومتر مربّع لاستقبال لاجئ عربي واحد.
يظنُّ العربيُّ، في أوقات فراغه الطويلة، أنه سُرّة الكون، فيتذمّر من كثرة الفخاخ الغربية التي يحاول تجّنبها، ويعدِّد بأسف المؤامرات الإمبريالية التي لم يستطع تفاديها. يتفرّغ في جلوسه غير المفيد على تويتر وفيسبوك في البحث عن آخر نسخة للديكتاتورية، ليُخرج رأسه من الشبّاك ويُشاهد وجه الديكتاتور على القمر. يرى العربيُّ أن مشكلة الأوكران في عدم حيادهم، بينما لا يعرف الكائن العربيُّ أنّ مشكلة العربيّ في عدم وجود مكان له في هذا العالم، فهو إما أن يكون مع أمريكا أو مع عدوّها، حتى لو كان هذا العدو قاتلاً، ومستعمراً، ومتوحّشاً.. مثل أمريكا!