كان المصريون القدماء، في الثمانينيات القديمة، يسمّون المليون جنيه أرنباً، لسببين يستحقان قليلاً من الشرح: الأول أن اصطياد الأرنب ليس عملية سهلة، فهذا الحيوان المستأنس معروف بسرعته ومرونته في مراوغة الكمائن والخراطيش، وكذا كان الوصول إلى المليون جنيه في عصر السادات الانفتاحيّ. الثاني أن الأرنب يتكاثر بسرعة وكثافة، وفي هذا فأل بأن يأتي المليون بملايين، ثمّ بديك رومي، ذلك المصطلح الماليّ الذي نطقه خالد صالح بهالة سينمائية أمام نور الشريف في “عمارة يعقوبيان”.. العمارة التي هي مصر في طبقاتها من “البدرون” حتى السطوح.
حبكات سينمائية ودرامية استهلكت في تصوير الصراع المصريّ المرير للوصول الشرعيّ أو غير الشرعيّ إلى “الأرنب”. مطاردات مكلفة تحت الشمس أو أضوية الإنارة الصفراء، كانت تتطلب تعطيل حركة السير المتعطلة من أجل تصوير المشاهد التي غالباً ما يكون في كادرها رجل يضم حقيبة “سامسونايت” إلى صدره إن كان التصوير في القاهرة، وكيس خيش إن كان التصوير في العشوائيات أو الصعيد الجوانيّ. تطلبت تلك الحبكات دماء زائفة، كان يتم الاستعاضة عنها أحياناً بعصير الطماطم الذي يُلطّخُ به جبين مُطارَدٍ يحمل كيساً بُنّياً فيه “ورك” الأرنب!
كان اللهاث وراء “الأرانب” مسموعاً في كلّ الشاشات العربيّة، وكلّ عربيّ كان يجري حسبة من عملته صعوداً أو نزولاً أمام الأرنب المصريّ. كانت تجري أيضاً مطاردات بدماء زائفة من دمشق إلى الرياض، ومن بغداد إلى بيروت، إلى حيث يصل اللاقط الأرضي. كان الأرنب يشتري أرضاً، ويعمّر عليها بيتاً بسبعة أولاد وموبيليا ضد الزمن والكسر، ثم يتبقى من الأرنب ذيله، ويكون على هيئة دفتر توفير للطفل الثامن. في الثمانينيات لم يعد لفظ أرنب يشير إلى ذلك الحيوان المستأنس، فإن كان الطعام على أرنب، نقول “كان الغداء مليون جنيه”.
الآن، بعد الثمانينيات القديمة بأربعين سنة جديدة، وبعد موجات التضخم المنتظمة، لا أحد يذكر الأرنب إلا بوصفه الحيوان المستأنس الذي يأكله المصريون مع أوراق الملوخية. فالوصول إلى المليون، أيّ مليون، لم يعد صعباً مثل اصطياد أرنب، وتكاثر المليون لم يعد حكراً على طريقة الثدييات، فهي بطيئة وقد تخضع لبرامج تنظيم النسل. أما الآن، قبل الثمانينيات الجديدة، يتكاثر المليون بوضع بيضه في مستعمرات النمل، والآن أيضاً لا يوجد من يلهث وراء الأرنب، فالناس إما أن تولد في مزارع الأرانب، أو بواسطة قرض حسن.
لا أعرف في أيّ طبقة أقيم، لكني متأكد أن عظمة واحدة من عظام الأرنب التي في حسابي البنكيّ الآن، كانت ستحل كل مشاكلي المالية في الثمانينيات والتسعينيات وعامين من الألفية الثالثة!