قبل كورونا كنتُ متأكداً أني سأموت في السبعين بمضاعفات الضجر، لذا لم أخش اقتراب الحرب النووية، وتهوّرت كثيراً في قيادة السيارة على الطرق السريعة، كما كنتُ أقطع الشارع ماشياً من غير الأماكن المخصصة. تخففت من القلق الوجودي، وتجاهلتُ كلّ الأخبار الصحية التي تزعم أنّ المشي والبروكلي، معاً، يطيلان العمر. لكني الآن، بعد مجازر كورونا في كلّ الجهات الأرض، خائف مثل قطٍّ استهلك ستّ أرواح، وتدفعني غريزة البقاء لأن أتصفح كلّ صباح أنباء اكتشاف لقاح مضاد للفيروس، ومثل عالق في البرزخ أثقلتُ نفسي بالنذور.
فإن خرجتُ حياً من كورونا، سأذهب برفقة وفد من طهاة مطعم جبري إلى مدينة ووهان الصينية لترغيب سكّانها بالمنسف الكركيّ والمقلوبة الفلسطينية الأولى، والكبسة السعودية، والأوزي أيضاً، والملوخيّة بالوصفة اللبنانية. سنخبرهم بصراحة أنّ طعامنا ليس صحياً، فهو دهني ويسبّب الكولسترول، ما يؤدي بالضرورة إلى انسداد الشرايين بالليّة، والنهاية غالباً ما تكون مؤسفة بواحدة من الجلطات، لهذا فإن معدل أعمار لدينا لا يتجاوز السادسة والخمسين.. رغم هذا سنكمل لهم الشرح حتى نصل باب الشوربة، ونقترح عليهم الفريكة بالدجاج بديلاً من حساء الخفافيش.
وإن خرجتُ حياً من كورونا، سأقبل دعوة جاري على الغداء. فقبل وباء كورونا، كنتُ انطوائياً، بما يبدو أني متعال وخال من الودّ. كنتُ أحافظ على مسافة ثلاثة أمتار بيننا، أثناء الحديث العابر، وأتحرّك بشكل متوتر في المتر الرابع بما يوحي بأني مستعجل، ولديّ أسهم عالقة في البورصة. كنتُ أيضاً قليل الذوق، بارد الإحساس، خشبياً، بليداً لا تستفزني حتى أنباء اقتراب الحرب العالمية الثالثة. لكنّي أعدكم إن خرجتُ حياً من كورونا، أن أصل الرحم، وأقبل كلّ العزائم، وأطيلَ السلام حتى خمسة مقاطع.
قبل كورونا لم أكن مدخّناً.. وإن نجوتُ من كورونا لن أدخّن أيضاً، وسألتزم بالفحص الدوري، والكشف المبكر عن السرطان. سأقول لمن يعطس “يرحمكم الله”، وللخارج من الحمّام “شفيتم”. سأتصدّق بألف ابتسامة في اليوم، وأكف عن النقاشات السياسية التي تجلب العداوات، وأفعّلُ الأمثال الشعبيّة المتسامحة في تنبؤات الحرب. سيكون وجهي مسالماً ومحايداً، وقريباً من البكاء في حالات التأثر، لن أسخر من أحد، وسأحبُّ لغيري ما أحبّ لنفسي، وأكتم غيظي، وأتعلّم العدّ للعشرة، وللعشرين، وأضع خدي الأيسر أمام الصفعة.. وإن سألني المارق في الطريق عن الوقت أدعوه لتناول الغداء.
وإن خرجتُ حياً من كورونا، سأشجّعُ الوحدات والفيصلي معاً، وسيتسع قلبي لبرشلونة وريال مدريد. سأكتفي بامرأة واحدة، وسأعتذر لصديقتي عن كلّ الخيانات، سأقرأ أيضاً كل الكتب التي في مكتبتي وعليها إهداءات حميمية، وسأردّ عليها بانطباعات إيجابيّة مثل ناقد لا يحبُّ الزعل. لن أشاهد فيلماً مرتين، إن خرجتُ حياً، وسأكتفي بما مضى من كآبة كاظم الساهر، وسأزور كل امرأة تضع حملاً، ولن أتذمر أبداً من الوقوف الطويل على إشارات المدينة الرياضية، وسأكتشف فوائد جديدة للبرغل. أعرف أنّي أهذي، وأخلط ماء وزيتاً.. مثل تارك الصلاة.