لن تعثر في أيِّ شارع عربي، رئيسي أو فرعي، على أخيكَ الذي كان يُشاركك قبل عشرين عاماً، اسمكَ وصفتكَ في الصحف الورقية البيضاء: “المواطن البسيط”، ذلك الذي كان يشتري الصحيفة الرسميّة ليعرف أسعار البصل الأخضر، وفوائد الجرجير، وليتأكد من نتيجة المباراة التي اعتذر التلفزيون الرسميّ عن بثها، ويقبل بنتيجتها الخاسرة، وليقرأ ما كتبه المحلّل السياسي الواحد، في الخطاب الوحيد، الذي ألقاه الرجل الأوحد، ويصل مع جموع المواطنين البسطاء، إلى نتيجة واحدة.
كان فقيراً، فربّما هو الآن بائع عصير قصب في وسط البلد. تذهب لتشتري كأساً، فتسأل الرجل التعيس: أبحث عن شخص بسيط يشبهكَ، ربّما هو أنتَ، كنتُ زميله في نشرة التطعيم ضد الانفلونزا الموسميّة، ولم نكن ننفصل أبداً، ملتصقين كنّا في ياء المثنّى. يتأملك البائع باحتقار، وتعرف أنكَ لم تحترم “عزيز القوم”، فهو لم يكن بسيطاً، كانت له فقرة خاصة بنشرة الثامنة، لكنّ ظروفاً غابرة أودت به إلى الرصيف مع السكّر الخام، بعد مجد، وسفر. وبجملة فائضة يخبرك عن “سفرة العراق”، حين التقى مصادفة بـ صدّام حسين، ونصحه بتسليم أسلحة الدمار قبل خراب البصرة.
وبالطبع ستعرفُ من مجريات التاريخ الحديث بمساندة ويكيبيديا أنّ صدّام حسين قد “ركب رأسه”!
قد يكون حلاّقاً في الشارع التجاري المزدحم. تدخل بحذر، وتطلب صبغة للشعر الأبيض، تسألُ الرجل المرح: أبحثُ عن شخص بسيط يشبهك، ربّما هو أنت، كنتُ شريكه في ورقة يانصيب كل أرقامها مشؤومة. لم ننفصل أبداً، ملتصقين كنّا في ياء المثنّى. يتأمّلكَ متحفزاً لتوجيه وخزة بالمقص، فتعرف أنك لم تحترم “عزيز القوم”، فهو كان ثعلباً في السياسة الخارجية، وصاحب صالون سياسي، لكنّ تحولات في السياسة الداخلية أودته إلى السوق الشعبي، بعد مجد، وسفر. وبحدة يخبركَ كيف أنّه أوقف ياسر عرفات في بهو الفندق، ووضع يده على كتفه العسكرية، وحذَّره من السفر الأخير إلى رام الله.
وسيخبرك يوتيوب أنّه بالفعل كان سفراً أخيراً لـ ياسر عرفات الذي لم يكن يسمع إلا صوته!
تسأل عن السائق فيروي لك قصّته المثيرة مع أسامة بن لادن، اللحّام يقول بكلام مقتصد بلا مبالغة كيف “شوّح” بالسكين بوجه أنور السادات، بائع التحف سيصفن ساعتين وهو يتذكّر أمامكَ عندما تنبّأ وحده بالنهاية الدموية لنوري السعيد، المقاتل المتقاعد سيقول بعد أن يسحق سيجارته في أرض المقهى إن رقبة بشير جميّل كانت في يده، لكنه فضّل أن يتركه لمصير آخر. النجّار كانت نقاشات آل الأسد المحتدّة تجري أمامه، والمواسرجي استمع إلى مكالمة كان يجريها معمّر القذافي مع طرف مجهول.. هو رونالد ريغان. وأنت تستمع إليهم مثل طفل مبهور بجدّه الشاميّ الذي طارد السلطان عبد المجيد الثاني بالفأس حتى أغلق وراءه “باب الهوى”.
لن تعثر في أي شارع عربي، رئيسي أو فرعي، على أخيك “المواطن البسيط”، المهموم بسعر البصل الأخضر، الذي يقبل بنتيجة المباراة الخاسرة. ملامحه تنمّرت، وحكاياته كثيرة، لا يمكن لـ ويكيبيديا أن تعطيك ملخّصاً أميناً لحياته، حتى مساحة يوتيوب الحُرة لن تكفي ليقول “شاهد على العصر” ما لم يشاهده. ذريّة أخيك منتشرة في الفضاءات الزرقاء، ولها بطولات بمائة وأربعين حرفاً على تويتر، فاحذر أن تناديه أمامهم بسيطاً، فلا بسيط إلا الشيطان، منذ أن صفعتْ شرطيّة بائعاً جوّالاً في سيدي بوزيد، وجرت حروب كثيرة اختفى فيها هامان وصار لـ فرعون “سناب شات”!