ذات صلة

فلسطينيات

تقول الكذبة الكبرى، إن الفلسطينيّ القديم حين كان جالساً على سنسلة أرضه، عصر يوم من عصر الأربعينيات، يشرب الشاي الخفيف بعشبة النعناع، ويراقب غروب الشمس، جاءه رجل بجدائل، يرتدي معطفاً أسود وشالاً أبيض، وبيده الخبيثة ورقة صفراء. قال الرجل للفلسطيني “وقّع حبيبي”، ولتصديق الكذبة، فقد لفظ الحاء خاء. عرض الرجل ذو الجدائل على الفلسطيني القديم مائة جنيه مقابل بيع أرضه ببرتقالها الحزين، وأمهله يوماً للردّ. لا تقول الكذبة الكبرى أنّ الفلسطيني قبل أن يردّ على الرجل ذي الجدائل، فكّر بأنه إذا باع أرضه، فسيصبح لاجئاً في خيمة، ثمّ في بيت من الصفيح، وأن الطائرات المعادية ستلاحقه من مخيّم إلى مخيّم، وسيفقد اثنين من أبنائه، في نشرة أنباء يكونا شهيدين، وفي نشرة أخرى قتيلين. 

لكن الكذبة الكبرى تؤكد أن الفلسطيني القديم أورث الفلسطيني الجديد مائة جنيه وخيمة بمنافعها!

**

ليس شرطاً يا أخي أن تكون فلسطينياً لتكون فلسطين قضيتك. اسأل غوغل عن راشيل كوري، نعم راشيل الشهيدة.  

لا تقل يا أخي على سبيل السخرية والاستحالة “حين تتحرر فلسطين”، قبل أن تقرأ لمؤرخ يهودي ينبئك أن الصهيونية ستغرق والمستقبل لفلسطين الموحدة.

أما إنْ أزعجك اسم فلسطين المنتشر في الأخبار والهواء، فيا أخي دواؤك أن تغلق أذنيك على الكذبة الكبرى!

**

لن أقول إنّ دولتكَ أصغر سناً من السيف الذي علقه جدّي على الجدار. لقد سمعتَ هذا كثيراً ولا يبدو أنه قد خدش “وطنيّتك” أو أشعل دمك، بالتالي ليس من منطق تسلسل الحوار أنْ أذكّرك بأن دولتكَ أصغر عمراً من الجدار. قد تظنُّ أني سأعود بك إلى التاريخ وأخرج لك الخرائط الجلدية للإمبراطوريات والاحتلالات التي اختفت بجرة ممحاة، أو أن أتحداك بالشّعر والغناء الثوريّ بأنّ دولتكَ عابرة مثل الكتابة على الهواء. ربّما تخشى أن أواجهك بخرافة ضدّ خرافتك، لا يا عدوّي فهذا بالنسبة لي حرام مثل شرب الماء مع أكل السمك!

إنّ كراهيّتي لك لا تسمح بأن أطيل الحوار أكثر من ستّ كلمات: دولتكَ لن تعيش حتى يصدأ السيف.

 **

يمكن أن ينسى الإنسان فصيلة دمه (أقسم بالله أنّي لا أعرفها)، ربّما يتلعثم (الإنسان أيضاً) حين يُسأل عن أرقام فردية تخص مكان سكنه القديم الذي لا يعرف غيره. يحدث كثيراً للإنسان (أنا أو أنت) ألاّ يتذكر في التاسعة صباحاً الأصناف التي تناولها في وجبة العشاء المتقشفة. قد يطلب الإنسان (بصرف النظر عن درجة إنسانيته) مرآة ليتذكّر لون عينيه قبل امتحان الحبّ الأول، قد يهاتف أمه ليسألها عن تاريخ واقعة الجرح في وتر أخيل، وقد يعصر صدغيه ليتذكر الرسم الصحيح لاسمه، كما لقنه إياه المدرّس الخصوصيّ، خالياً من الخطأ الشائع..  

قد أنسى وقد تنسى، لكن لا يمكن للاعب كرة قدم في تشيلي نسيان أن جده الرابع من فلسطين.

نادر رنتيسي
نادر رنتيسي
كاتب له عدة إصدارات قصصية وسردية ويعمل في الصحافة
المادة السابقة
المقالة المقبلة