ذات صلة

لا تغفروا

يا أهل غزة وأنتم تعودون إلى الحياة، تذكّروا أنّا:  

كنّا نضع وجهاً دامعاً على صور مجاعتكم، بينما نجلس في المطاعم كاملة الدسم.

وكنا نغضّ البصر عن أشلائكم، كما نفعل عند مشاهدة أفلام الرعب، ونستعجل الحبكة.  

كانت مأساتكم مأساة علينا، فاضطررنا إلى تأجيل حفلات النكاح والطهور، ولما زادت “مأساتنا” عن شهرين استخرجنا فتوى رفع الحرج.

كنا نشاهد بردكم ونتذمّر من خلل في التدفئة المركزية، نقرأ عن نقص الأكفان لديكم ونتسوق كريمات اليدين من أمازون.

رأينا الأمطار تغرق خيامكم، ورضّعكم يموتون متجمّدين، فحوقلنا وحسبنّا، ثمّ صلينا وراء الإمام صلاة الاستسقاء.

كان التلفزيون يبث تقريراً عن خروج عائلاتكم من السجل المدنيّ، ونحن نستقبل مندوب تنظيم الأسرة.

اعتدنا على دمكم ودمعكم وصراخكم، ولم نعتد بعد على صفعة فنّان لمعجب.

كانت مشاهد نزوحكم مؤلمة لا شكّ، وكان ينبغي وطنياً وقومياً أن نتفاعل، إلاّ أنا كنا عالقين في أزمات السير.

كنا نعدُّ مجازركم ببرود المحاسب، وحيادية المدّعي العام، ونتفهم تذمّركم من الخذلان، لكنّا كنا نستغرب إصرار موتكم على إحيائنا.

 كنا نشاهد المظاهرات المؤيدة لكم وأعلامكم تُرفع في أوروبا وأمريكا وأقصى آسيا، ونطلب منهم الثبات والمزيد، فيما نحن نرفع “أعذارنا الشرعية”.

.. والأعذار تشمل الضفة الغربية وهي تبدو دولة حدودية وشقيقة لكم، لديها توازنات، وحسابات سياسية، منعتها من “الانخراط” في الصراع، ولهذا ربّما شعرتم أن مقاطعة كاتالونيا، كانت أقرب إليكم من “مقاطعة” رام الله.  

يا أهل غزة وأنتم تعودون إلى الحياة

 لا تنسوا أنّا نسيناكم

ولا تغفروا،

 وإن غفرتم فالذنب باقٍ في الصحائف.

نادر رنتيسي
نادر رنتيسي
كاتب له عدة إصدارات قصصية وسردية ويعمل في الصحافة
المادة السابقة
المقالة المقبلة