هم مثلنا..
يشربون القهوة خفيفة السكّر في الصباح بتحريض من عبارات شعريّة مقتبسة لمحمود درويش. قد يفيقون بمزاج عسليٍّ فيداعبون حتى نجيل التراس، وقد يفيقون بنصف إدراك كالنهار الأوّل لابن أمّه في بيت زوجته. قد يؤدون تمارين صباحيّة للقوام والعظام بمساندة يوتيوب، ويبتسمون للجار الجديد الذي وعدهم بزيت بكر، ويداعبون كلباً ضالاً.. ويحزنون لأنّه في كلّ ردّات فعله يخشى الغدر.
وهم مثلنا..
لديهم آراء في موسيقى بليغ حمدي وعبثه، وبينهم من ينحاز للشّعر الحرّ، لكن من دون أن يخرج على “النظام” الموسيقيّ. ولهم في السينما انطباعات جيّدة، فلا يحبون الشرّ المطلق؛ إذ يمكن أن يكون الشرّير عازفاً أو طبيب عيون، ورئيساً بالوراثة. يعتقدون أن المؤلفين هنا تقليديون وغير ملمّين بعلم النفس، والمخرجين كأنّما لا همّ لهم في النهايات سوى توفيق رأسين في الحلال.
هم أيضاً..
يعانون من الأرق، واكتئاب الشتاء، ونوبات متباعدة من القلق الوجوديّ، ولديهم مخاوف مبرّرة على الأمان الوظيفيّ. يواظبون على الفحص الدوريّ للكشف عن سرطان الثدي أو البروستات، ويراقبون كلّ ثلاثة أشهر مستوى السكر والدهون والكولسترول، فكما يخشون الموت البطيء بالمرض العاطل مثل معتقلي الحرية والرّأي، أيضاً يقلقهم الموت المباغت على جهاز الجري في النادي الرياضي. فهم يحبّون الحياة لهم.. لهم فقط.
وهم.. يرعبهم دمٌ ناشفٌ على ركبة طفل، وحشرة زاحفة شقراء في خزانة المطبخ، يتأثرون إلى درجة ما قبل البكاء على توابع زلزال في مقاطعة كرماشان، وتفزعهم حركة البراكين في حزام النار في نشرة أنباء حول العالم. يتذمّرون من ارتفاع الدولار، وأسعار الخضار، لكنّهم لا يفضلون الاسترسال، فيقلبون الموضوع مثل ورقة يوم الجمعة في الأجندة.. هم بلا شرح زائد من قبيلة أشباه البشر.
هم مثلنا..
من الكائنات الحيّة الوحيدة المتبقية من الإنسان العاقل. اجتماعيون بطبعهم، يستخدمون مثلنا نظم التواصل للتعبير عن الذات وتبادل الأفكار والتنظيم، يتميزون كذلك بالحسّ الجماليّ، ولديهم رغبات صادقة للفهم والتأثير البيئيّ.. والإنسان كما تعرفون هو الكائن الحيّ الوحيدُ الذي يقوم بإشعال النيران وطهي طعامه، والوحيد بين الكائنات أيضاً الذي يقوم بارتداء الملابس ويبتكر التقنيّات التي تساعده على زيادة فعالية ما يقوم به من أعمال.. وخنوع.
هم عبيدُ الدكتاتور المخلوع
ليسوا منّا.