ذات صلة

عمّان.. هنا  

مساء الخير من عمّان.. أحبُّ في عمّان ما أحبُّه: الشاي العراقي في وسط البلد.. حلواً وثقيلاً والهال أكثر من رغبتي، المشي بهدف أو بلا هدف في شارع الجاردنز، السماء فوق ستاد عمّان عندما يكون نادي الوحدات فائزاً، دوّار باريس قبل اللوثة والحداثة، قيلولة على كنبة مهترئة في رابطة الكتّاب قبل أمسية أنا الصحفي والجمهور فيها، مصافحتي الأولى لمحمد طمّليه ثمّ إصبعه الأوسط الذي أشهره في وجهي لأني لم أزره في المستشفى، مشي بطيء بسيارة متهالكة حاول فيها زياد العناني أن يقنعني ألا أخجل مما أكتب، فلافل فؤاد، مشاوي شهرزاد، عرق الأوبرج، كنافة حبيبة، كركديه بلاط الرشيد، أشرطة فيها مواويل ونواح لكاظم الساهر قبل أن تحبّه النساء، صور معلقة على جدران الروماني لنساء أحبهن وكنتُ أظنُّ أنهنّ يبادلنني الحب: سمر سامي وليلى علوي وأنجلينا جولي، رقيب سير تغاضى عن مخالفتي لاستعمال الهاتف، وهاتف آخر أجريتُ فيه مكالمة ضرورية مع محمود درويش، أولاد حلال ظهروا في أوقات سبقت بكائي استجابة لدعاء أمي، مظاهرة من أجل منع احتلال العراق فرّقها المطر، مكتبي في صحيفة العرب اليوم لما كنتُ صغيراً وأحلم أن أكون كبيراً، ومكتبي في صحيفة الغد لما ندمت لأني كبرت، مواعيد كانت تحتاج إلى أشهر من التخطيط من أجل إحدى عشرة دقيقة في غرفة بفندق القدس، حوارات لم أدونها مع طاهر رياض في بار فندق دوف، درج طويل يؤدي إلى مقرّ الحزب الشيوعيّ الذي استقلتُ منه قبل أن يفصلني المكتب السياسي، ساعات أمضيتها في دائرة المخابرات أشرح فيها للضابط طريقتي لحبّ الأردن، صورة التقطها لي محمّد أبو غوش كنتُ فيها وسيماً كما لم أكن كأني وحيد أمّي، قرارات مصيرية اتخذتها أثناء أزمة المرور في شارع مكة ونسيتها في شارع المدينة المنورة، قبر أبي في مخيّم البقعة وقبر أبيه، قصص صعبة كتبتها حتى أتفوق على أسامة أنور عكاشة، شِعر كئيب وتراجعت عنه خشية أن تصيبني ميتة بدر شاكر السيّاب..

مساء الخير من عمّان.. وفي عمّان أحبُّ ما أحبُّه وما أكرهه.

نادر رنتيسي
نادر رنتيسي
كاتب له عدة إصدارات قصصية وسردية ويعمل في الصحافة
المادة السابقة
المقالة المقبلة