لا تسرفوا في الدمع، فبعد المجزرة مذبحة، واقتصدوا في كلمات الأدعية، فالحرب الجديدة قد تطول حتى منتصف السلام، والرايات السوداء احرصوا على اقتطاعها من آخر الليل. لا ترموا المناديل المبللة، ستجفُّ تحت شمس الهدنة، ويمكن استعمالها بأمان في أول خرق لوقف إطلاق النار. لا تتعبوا أصابعكم بالضغط المتكرر على المشاعر الإلكترونية، فإن تعطلت قد يتأخر وصول تعاطفكم بعد أن يرتقي الجريح شهيداً. لا تبذّروا الألم على المجزرة، حتى لا تعتادوا على المذبحة.
ما قلناه في الحرب الأولى على غزة كرّرناه في الثانية من دون فواصل، وأضفنا عليه الملح والفلفل الأحمر في الثالثة. بكينا على العائلة التي شُطبت من السجلّ المدنيّ، وفي الوقت الطويل قبل الحرب الرابعة كان بكاؤنا تثاؤباً. في كلّ حرب على غزة نتسلق الظلّ العالي، ونكرّر المديح، نستعيد أغنيات الاجتياح في الانتفاضة، ونقصّ منها ما يصلح للحصار، ثم نسأل محركات البحث عن لعنة العقد الثامن، وأسرع الأدعية لإسقاط الكيان، وما هو ضرر النفايات البشرية على زرقة البحر.
نمتنع عن قهوة أمريكا ولحمها المفروم شهراً أو ما يعادله من أيام الحرب. نقاطع أجبان فرنسا وعطرها، ونكتفي بما هو في جواريرنا إن أجازت لنا الفتوى. نكتشف ملامحنا في وجوه اللاتينيين، ونسأل محرّكات البحث عن أعلام بوليفيا وكولومبيا وديانة هوندوراس. وماذا نفعل إن طالت الحرب أكثر.. نكتشف قدراتنا العسكرية التي اكتسبناها في المعسكرات الصيفية، ونوجه المقاتل لتصحيح وضعية “الآر بي جي” على كتفه، ونضع على كتفه الأخرى اقتراحاتنا التي كتبناها بهواتفنا الأمريكية.
مملون نحن، مكررون مثل مجرى الدمع، ومنسوخون مثل كلمات الأدعية، منضبطون كما الكورال والكمنجات، رتيبون كما تكون الخطوط في ربطات عنق وزراء الخارجية. خطواتنا لا تزيد عن المسيرة، أصواتنا لا تعلو على صوت المغنّي. كتاباتنا سبق وأن كتبناها، كلامنا سبق وأن قلناه، ولا نطلب العفو إلا على ما سبق. مهما مشينا على أيدينا لن نخرج عن خطّ النهاية أحمر كان أم أبيض، ومهما رفعنا أكفنا فلن تخرق السقف رمادياً كان أم أزرق.
لا تسرفوا في الدمع، واقتصدوا في كلمات الأدعية، وحين تقول النشرة أنباء من غزة، استمعوا وأنصتوا.