لا أشبهكِ في شيء. فلا أبدأ نهاري بالقهوة الإيطالية والسيجارة الرفيعة، ولا أضبط مزاجي على صباحات الرحابنة. لستُ أحفظ من اللغة الإنجليزية سوى طلب الماء وقائمة الطعام من النادل. لستُ أعرف من خطوط الموضة إلا تلك التي يمكنها أن تصل السوق الشعبيّ خلف الطريق الترابية. أنا نسخة أولى غير محدّثة، لا يمكن الإضافة عليها أو التعديل.. نسخة فريدة لدراسة الإنسان القديم.
لا تشبهينني في شيء. فلا يمكنكِ بدء نهاركِ بغناء عراقي مُرّ، وشاي ثقيل، ودخان حجّات ما قبل الثورة. أيُّ ثورة بالأبيض والأسود. لا تستطيعين إتمام جملة عربية سليمة دون فرنسة أو أمركة. لا تدخلين سوى الأسواق المكيّفة الخالية من المتسولين والمجاذيب، ولا ترتدين إلا ما يأتي من باريس وميلان بالشحن الجوي. أنتِ نسخة يمكن تحديثها كل ثلاث وعشرين ساعة.. بتوقيت الشانزيليزيه.
أنا قابل للكسر مثل قلم رصاص، يمكن أن ينفد رصيدي من الحبر قبل أن أتمّ جملة معترضة. وأنا نحيل مثل دفتر أرقام هواتف خال من الأصدقاء، وقابل للطيّ مثل قصيدة على البحر المضارع. كئيب أنا مثل آخر يوم في نيسان، وحيد ومكتظ مثل غرفة فندقية في وسط البلد. لدي هموم كثيرة لم أكن مضطراً لحملها، لكنّ مغنياً نوبياً أوهمني أن في قلبي مساكن شعبية.
وأنتِ لا تخشين من الكسر إلاّ سقوط الهاتف من يدك، ولا يقلقكِ إلا نفاد رصيدكِ من الحظّ. نحيلة أنتِ لأنّ الفستان الليلكيّ ليس له إلا قياس أميرة ويلز المغدورة. لكِ أمنيات قابلة للطيّ في الحقيبة الإيطالية، ويمكن تحقيقها في رسالة بنكية. لستِ وحيدة رغم أنك تجلسين في نجمة فندقية سابعة، لستِ مهمومة رغم أنّ طالعكِ الفلكيّ يحذّركِ من أجواء ملبّدة، وينصحك بتبديدها في درس اليوغا.
أين إذاً يمكننا أن نلتقي. أنا لا أستريح في المقاهي الغربيّة، سأكون مثل فلاّح بِكر يدخل حفل هالوين. ثيابي لا تصلح لارتياد الفنادق التي فوق النجمة الثانية. أنتِ لا يمكن أن تزورينني في الحيّ العشوائيّ، فلن أضمن لك سلامتكِ، أو ستكونين مثل سائحة بلهاء تدهشها الحفرة الامتصاصية. ثمّ لنفترض أننا وجدنا أرضاً محايدة، في الطبقة الوسطى، في أيّ لغة سنتحدث، فأنت لا تعرفين محمد طمليه، وأنا قبل أيام كنت أظن أن “براد بيت” جهاز كهربائي منزلي.
قد نلتقي بعدما نظنّ كلّ الظن ألاّ تلاقيا، كما أكّد ذلك شاعر نجدي، لكن هذا اللقاء لن يحدث سوى في فيلم سينمائي مصري، بالأبيض والأسود.