كبرتَ يا “ليو”. لا بل إنّكَ قد هرمت منذ أن تمّ تحفيز هرمونات النموّ لديك، فهذه هي كأس العالم الخامسة التي ستمرّ بجانبها. والأكيد أنها ستكون الأخيرة. لا فرصة أخرى أمامك، وكلّ ما هو وراءك خيبات. الخيبة الأخيرة كانت بالغة المرارة، فقد شاهدتَ كأس الفيفا المجوّف، ومررت بجانبه تعيساً، وامتدّ الليل على بوينس آيرس خمسين نهاراً، وتحدّث الحزن بالإسبانية النبيلة، وانطفأت شمس مايو.
أنتَ ذاهب إلى الدوحة يا “ليو”، وخمسة وأربعون مليوناً يعدّون خطواتك السريعة في صعود النهاية، ويعادلونها بأنفاسهم. قد يتوقفون لشهر واحد فقط عن ذكر إرث بورخيس العظيم، وربّما يتراجع الشعور القومي بالفخر أن الثورة تنتسب بالولادة إلى أرجنتينا، ويخلعون قبّعة جيفارا وينكرون، لشهر واحد فقط، أساطيره ورحلته الأخيرة. سيغلق تياترو كولون أبوابه، ويقف راقصو التانغو على الأرصفة، ويتجمّع المارة، ويصبحون شعباً، يهتفون باسمك، ثلاث مرات أسرع من رصاص الفرح.
ولدتَ بعد صيف مارادونا.. بصيف. كان دييغو قد حسم حرب الفوكلاند أمام الإنجليز بهدفين: بيده وقدمه، وحمل خمسة كيلوغرامات من الذهب، هي أغلى معادن الأرجنتين. ثمّ جئتَ أنتَ يا ليو في العام التالي طفلاً ناقصاً لعامل مصنع وعاملة نظافة. حين كنتَ تتمّ الثالثة كان ملهمكَ مارادونا يحمل بلادك على كتفيه، ويصعد بها إلى منصّة مائلة، ولما بلغت السابعة، وكنت بدأت لعباً سارقاً للأنظار، شاهدت معلمك يخرج مطروداً، وامتدّ الليل على بوينس آيرس خمسين نهاراً.
لم تصحُ شمسكم في مونديال باريس، سافرتم وراءها إلى آسيا، لكنّ الخروج كان مهيناً. سيكثر الحديث عن أسباب الإخفاق، ستقول الصحف في بلادكم إنكم تفتقدون ليد مارادونا، وحظكم قليل، وسيلفت صحافي مغمور أنظاركم إلى خرافة الرقم ثلاثة عشر، وهو رقم الكأس الأخيرة التي حصلتم عليها قبل ولادتك يا ليو، ثمّ سيقولون في التلفزة إن نساء الفضّة عاجزات عن إنجاب معجزة جديدة، في ذلك الوقت كان والدك يوقع بالنيابة عنك عقد ولادتك الجديدة على منديل طعام.
صرت معجزة الألفية الجديدة يا ليو تراوغ نصف الفريق الخصم وتخرج كالماء من بين الكفين، وإن لم تسجّل ثلاثة أهداف في المباراة، فبالنسبة لك كأنما انتهت بتعادل سلبي. حطمتَ كلّ أرقام البرسا وأضفتَ أرقاماً قد تحتاج ألفية جديدة لتحطيمها. يقولون إن مهاراتك لا يمكن محاكاتها سوى في ألعاب الفيديو، وأنّ اسمكَ الإيطاليّ هو الاسم البديل المقترح لكرة القدم. في خزانتك اليوم كؤوس وكرات صفراء بحجم منجم ذهب.. ناقصاً خمسة كيلوغرامات!
أنتَ في الدوحة الآن يا ليو، سجّلْ هدفاً بيدك (لا تحذر من الفار ولا من القِط!)، راوغ نصف الفريق الخصم، احسم حرب الفوكلاند من جديد، واصعد إلى “المنتهى”. لا تعد خاسراً، فلن تعرفكَ شوارع بوينس آيرس إنْ زدتَ خيباتها، ولن يولد طفل أرجنتيني جديد باسمك، وسيحطم صبية غاضبون تمثالك البرونزي، وتخرجُ من تاريخ الكرة بدون أن يكتمل نموك. إن عدتَ بدون الكأس المجوّف يا ليو، ستضعُ كلّ كؤوسكَ في بقجة مثقوبة، وتصبح كل أرقامك القياسية أرصدة بنكية، وتلعنكَ الناس بالإسبانية والعربية.