كان ذاهباً للعب كرة القدم. قصد من أجل ذلك مقرّ نادي مخيّم شباب الحسين في منتصف السبعينيات، هناك ركل الكرة وناور، لكن لا معلومات موثقة عن عدد الأهداف التي سجّلها، كما يتعذر العثور على معلومات أكيدة حول موهبته في صناعة الأهداف، لكن نصيحة صديق له بالتوجه إلى فرقة المسرح في النادي، تنبئ أن الأردن وما حوله، لم يخسر لاعباً موهوباً، يمكن أن يصعد به إلى نهائيات كأس العالم في الأرجنتين، بل إن الأردن وما حوله اكتسب فناناً اسمه بدون أي تعقيد “ربيع شهاب”، وهو اسم فريد بقدرته على استدعاء الضحك والبكاء.
ذهب إلى مصر لدراسة التصوير، واكتساب خفة الدم، ومنذ العام 1979، صار اسمه الفريد في مقدمة أهمّ أعمال الدراما الأردنية في سنوات الضوء. كانت شارة البداية تعجُّ بالأسماء المهمة، لكنّ “ربيع” كان يناور على خطّ “الملعب”. في المسرح كان يقدّم أعمالاً كوميدية فيها الضحك دامع، فالذي شاهد موهبة ربيع في مسرحية “اللعبة” أو “يا أنا يا هو” في الثمانينيات، كان يهوّن من خسارة الأردن فرصة الصعود إلى كأس العالم، بأن يكون عبدالحسين عبدالرضا أو عادل إمام على مسرح قصر الثقافة، ويحكيان بلهجة اللدّ وعمّان وما حولهما.
لم يكن “ربيع” أقل من عبدالحسين الكويتي، أو عادل المصريّ، الضحك في المسارح والمنازل كان يؤكد أن “شهاب” إذا وقع في كفة، فلا يمكن أن تستوعب أحداً غيره، فقد كان يبدو، بعد منتصف عقد الثمانينيات، أنه ذاهب إلى ملعبه الخاص، فيه يرسم خطوط التماس، ويحدّد قياسات المرمى، والمسافة صفر بينه وبين الجمهور، هذا ما تجلى في دوره الاستثنائي في شخصيته الأبرز “عزوز” في مسلسل “القرار الصعب”. ثلاث عشرة ليلة، كان الضحك مسموعاً في عجمان، والطائف، والنُقرة الكويتية، حتى نهايته المأساوية بشربه من “القازوز المسموم”، فصار الدمع مرئياً في عجمان والطائف والنُقرة.
يحبُّ الناس “ربيع” في شخصية “عليوة” التي قدّمها في بداية الارتباك الفنّي الأردني بعد المقاطعة الخليجية في عقد التسعينيات، لكنّي أراها رغم ما كان فيها من إضحاك، أنها أقل بكثير من موهبته التي اتضح أنها أكبر بكثير من أيّ جغرافيا، وفوق ذلك عليها أن تنخفض لتفادي سقف الرقابة الذي كان يُرفع “لناس وناس”. ضاق الملعب على “ربيع”، وانمحت القياسات التي خطها بالأبيض الواضح، وبالنسبة لي صرتُ أراه عادياً، وأن الكف التي يقع فيها يمكن أن تستوعب غيره، ولأنّ “ربيع” ليس كغيره، فقد اختنق بموهبته وأصيب بجلطة دماغية وفنية.
قبل أن يصاب ربيع بالجلطة بأربع سنوات، خرجتُ للقائه في أول تغطية صحفية لي في سنة أولى جامعة. في شتاء عام 1999، ذهبتُ إلى مسرحه في جبل اللويبدة لأشاهده من مسافة صفر. “مسا الخير” ألقاها نحوي ونحو المخرج هاني الجرّاح. صافحته مبتسماً، مانعاً شفتيّ من الضحك القديم. اعتذر عن إجراء الحوار الليلة، ودعاني لحضور المسرحية. كان الحضور قليلاً في ليلة رمضانية، حاولتُ أن أضحك ضحكاً جديداً، لكني فشلت، فانشغلت بمتابعة وجهه بشاربيه الكثين. بعد العرض قلتُ للمخرج بصيغة تساؤل إن مزاج “الأستاذ ربيع” لم يكن رائقاً.. وانتظرتُ الإجابة أربع سنوات.