ينهل الكاتب الزميل نادر رنتيسي من معين الواقع الافتراضي الذي تحققه المجالسة الطويلة لمواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وغيرهما من مواقع الإنترنت وفضاءات الشبكة العنكبوتية.
23 نصاً، يقترب بعضها، كثيراً من عوالم القصة القصيرة، ويذهب بعضها الآخر نحو التأمل المعطوب بساعة الزمن، في 100 صفحة من القطع المتوسط، يجوب رنتيسي المولود العام 1979 في الكويت، خلالها، شوارع الأرض البكر، الطالعة من ممكنات المناجاة الإنسانية الوجدانية، التي اكتفت، مع تمدد مساحة العالم الافتراضي، أفقياً وعمودياً، في أزماننا وأمكنتنا، ببوحها الطالع من نقرات لوحة الأزرار (الكي بورد) وحركات الفأرة (الماوس). إنه اكتفاء يفترض، ابتداء، وجود أصدقاء غير مزعجين، أو ربما، قابلين للمحو والحذف وإدارة الظهر، على تواصل مباشر (أونلاين) مع صاحب البوح، أو صاحب العبارة، أو صاحب الفكرة، أو صاحب الصورة، أو صاحب التعليق.
“أنت لم تفعل في نصف عمرك سوى الحلم، كنت لمّا تيأس من المشي الذي لا يقودك خطوة واحدة إلى الأمام، تعود ألف خطوة محسوبة إلى الوراء، تنتهي بك دائماً إلى السرير، هناك تشعر بأمانٍ نسبيٍّ، فتستدعي كل ما أخفقت في السير إليه، إلى عتمتك تحت اللحاف، تفكر فيه كثيراً، وتقلّبه على وجوه عدة ممكنة، تنام قبل أن تجزم أمر إمكانيته؛ فيأتيك طيِّعاً في الحلم”. لعل الاقتباس السابق من نص «أنت تحذف نصف عمرك!» الذي يحمل الكتاب اسمه، يملك مقومات إضاءة الجو العام الذي كُتِبَتْ فيه باقي نصوص الكتاب الثالث لرنتيسي بعد: مجموعته القصصية «السرير الحكّاء» وكتاب نصوصه السابق «زغب أسود» الصادريْن كليهما عن دار أزمنة للنشر والتوزيع.
رنتيسي الذي يعمل في الصحافة الثقافية، وترجمت بعض قصص مجموعته الأولى إلى الإنجليزية، يجعل من عناوين نصوصه مدخل بوح آخر، وباب ولوج، ما، لأجواء النص، وآفاقه، وتداعياته، وبنيته السردية الدرامية القصصية اللافتة: «انتظريني في الجيل الخلوي الثالث»، الحب ينام عند السادسة صباحاً»، «القلب الذي طلبته مشغول بمكالمة أخرى»، «ورد يضيء (إيميل) الأرملة» و»جيفارا على تويتر» وغير ذلك من العناوين. وهي، أي العناوين، تضع القارئ، في الوقت نفسه، في أجواء الكتابة الافتراضية، أو بصياغة أكثر وجاهة: الكتابة المنغمسة داخل أسرار واقع افتراضي، والمتورطة فيه.