الكتابة عند نادر رنتيسي تنطوي على سجايا خاصة، تمثل أفقاً فارقاً لاستبطان الذات، وصيغة للحياة والسلوك والبحث عن الوطن والإنسان الذي بداخله، والكتابة في «حنينٌ نادرٌ» لا يمكن أن تكون مجرد شعوراً بالتباعد النفسي إزاء العالم المحيط، سواء كان فضاء، أو محيطاً بشرياً، أو حتى سياقاً عابراً أو مؤقتاً.
ربما يكون الحنين الذي يرومه الرنتيسي هنا ناجمٌ عن شعوره بإحساس الاقتلاع واللاتماهي الذي يعيشه إنسان العصر بدائرة قيم لا فكاك له من إسارها. ولعل قراءة هذا المقطع تشي بكثير مما أراد قوله الكاتب على لسان السارد: “وأنا إلى الآن أعاني من أشياء كثيرة.. إن غضبتُ أو فرحتُ بصوت عال، أثناء الدوام الرسميّ، فإني أفتقد لأدنى درجات الاتزان الانفعاليّ، إنْ بالغتُ في الهتاف أثناء المظاهرة يتهمني الأمين العام للحزب بمرض اليسار الطفوليّ، إن أحببتُ امرأة وجاملتُ أخرى فإنّي مبتلى بـ “نزاريّة” لا شفاء منها, أهربُ من أجواء “السرايا الصفرا” لأختلي بنفسي التي جلبت لي الأمراض، (…) نعم أنا مريض، يا سادة، فقد تعرّضتُ منكم جميعاً لـ “تحرُّش نفسي” منذ أيام الطفولة التي لم تأخذوها على براءتها. واليوم أنا انطوائي، فاقدٌ للثقة، أشعرُ بخوف غير مبرّرٍ، وشخصيتي مهزوزة…”.
وبهذا الاشتغال، يقدم الكاتب نادر رنتيسي عمل نثري يقص حكاية، وشخصية ذات كثافة نفسية يغمرها الحنين إلى كل شيء، إلى الأب، والأم، والمرأة التي أحب، وإلى الفتى الذي كانهُ، إلى الوطن، إلى البلاد، إلى الشام، وإلى الذي لم يبقَ من الشام…، وإذا ما استحضرنا واحدة من نظريات النقد الحديث التي ترى “بأنه لا شيء عِبر الإبداع يُقصد مثلما يَقصُد المبدعُ نفسَه”، فإن رنتيسي وحده من يملك المشروعية في فكفكة ملامح النص وغايته النهائية، ولعل الكتابة هنا تحيلنا أكثر إلى نظرية التلقي، كونها تؤمن إيماناً قاطعاً بالطابع الثنائي لعملية القراءة؛ أي: الاتجاه من النص إلى القارئ، ومن القارئ إلى النص