لم أخضع طوال حياتي لاختبار الذكاء، ولا أعرف على وجه التحديد في أيّ معدّل أقيم. تحت المائة أم فوقها بقليل. لكنّ لو أخبرتكم أني أجهل تماماً أيّ شيء يتعلق بلعبة الشطرنج (الوكيل الحصريّ للذكاء)، لتأكدتم أنه لا بدّ أن أكون تحت المائة. بقليل أو بكثير. أما إن عرفتم أنّي كنتُ أعتقد حتى شهرين ماضيين أن مكعّب روبيك هو “مَسْبَحَة” الغرب، فلا حاجة للاجتهاد في تحديد موقعي تحت المائة، خصوصاً لو صارحتكم بأن مشاركتي في لعبة ورق “الشدّة” كانت تقتصر على المؤازرة، والإشراف على توفير الفستق وعلب البيرة الخضراء.
إذاً أنا رجل محدود الذكاء، ليس هذا استنتاجاً بسبب نتيجتي النهائية المؤسفة في اختبار “اي كيو”، يكفي فقط الإشارة إلى خياراتي السياسية التي بدأت في العام ألفين وخمسة، حين أعلنتُ على الملأ تأييدي للسياسي اللبنانيّ سعد الحريري، الذي تزعّم تياراً تقدّر شعبيته بنصف بلاد، وبثروة زادت عن خمسة مليارات دولار، لينتهي به المطاف، معتكفاً، مستقيلاً “بدمع العين”، وبثروة أقل من مليار “بكثير”. ثمّ أضف إلى ذلك الكثير من الرهانات التي خسرتها أمام الديكتاتوريات التي انتصرت على شعوبها، بينما يظلّ أغبى اعتقاد تمسّكتُ به ربع قرن، أن الثورة تبدأ من جهة اليسار.
تقول الدراسات إنّ تعلم لغة ثانية يجعل الإنسان أكثر ذكاء، ويزيد من تطوّر المخّ، وهذا ما يجعلني أخجل عند تعبئة السيرة الذاتية، فإذا ما تفاديتُ الكذب وذكر محاسن الموتى، فإني سأعترف أني لا أعرف من اللغات سوى اللغة العربية، فهي الأم والخالة وزوجة الأب، لكن إن اضطررت للتعداد والتحايل للكسب الوظيفي، فسأزعم بأنّي أجيد العراقية، وألمّ بالشامية، وضليع بالكويتية، مع “حيازتي” لمفردة إيطالية اكتسبتها عندما طلبتْ مني الأستاذة إغلاق الباب، وأخرى إسبانية وردت في مسلسلات نتفليكس، وكنتُ أظنها نوعاً من المعكرونة، قبل أن أعرف أنّها تعني “يكفي”.. بشيء من الحِدّة.
لستُ ذكياً، هذا استنتاج لا يحتاج إلى ذكاء، وهذا أيضاً نفي يقرّ ضمناً بأني كائن غبي، يكرِّر أخطاءه في الحبّ، وأساليبه القديمة للإيقاع بالنساء، ويجهل أشكال القسمة الحسابية، معتقداً أن رموزها أبجدية صينية. كائنٌ يصرُّ كلّ أربعة أعوام على تشجيع منتخب الأرجنتين، رغم تحذيرات الأطباء من إصابته بالفشل الكلويّ بعد الفشل المتكرّر للمنتخب السماويّ بالصعود إلى منصة الكأس. كائنٌ لديه أوهام عميقة بأنّ دعاء أمه أنجع أسلوب للتهرّب الضريبيّ، ومعلومات صحية كان يرددها أبوه (مشكوك أصلاً في صحّتها) تغنيه عن زيارة طبيب الباطني. كائنٌ يعود إلى الجُحْر ألف مرة ليتأكد من طعم اللدغة.
أمّي ليست ماري كوري، وأبي بالطبع لم يكن إسحق نيوتن، ولهذا لم يكن متوقعاً أن ينجبا ولداً مفرط الذكاء، ويكون اسمه بالمصادفة البريئة “ستيفن”. أنا صاحب سذاجة شائعة، فكلّما وجدتُ حذاء مقلوباً، أعدته لوضعه، حتى لا يمنع نعله الموجّه نحو السماء البركة عن البيت، وأنا الذي نشأت على اعتقاد شعبيّ بأنّ المشروب الغازيّ الشفّاف يعالج المغص، بينما يفتقد المشروب الغازي الأحمر هذه “الموهبة”. وأنا الذي أمشي أول النهار تحت طيران العصفور بانتظار “أن يفعلها” من أجل أن يأتي الرزق من الباب المغلق. وأنا، أنا الذي متُّ مراراً، وعدتُ إلى الحياة مراراً، بعد العَطْس.