يمكنك أن تكتم الصوت عندما تشاهد سلافة معمار على الشاشة. ليس لأنّ لها صوتاً منفعلاً، أو لأنّ جمالها أهمّ من أدائها، بل لأنّك تستطيع أن تقرأ الحوار في وجهها، وأن تتابع حركة السيناريو في توتر أصابع يديها. في عينيها تتمّة الحوار الذي أسقطه أو غفل عنه المؤلف، وفي شفتيها عندما تطبقهما يمكن من صمتها تدوين كليشيهات. ولو أن هناك أكاديمياً “عملياً” يتابع تمثيلها، لصار اسمها مساقاً يُدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية.
في سيرة سلافة أنها كانت ترسم وتعزف وترقص الباليه في طفولتها ومراهقتها، قبل أن تتجه إلى “المعهد العالي”، بعد اختيار اضطراري للأدب الإنجليزي، ثم تشارك في أدوار صغيرة منذ منتصف التسعينيات حتى أوائل الألفية الجديدة، وكلها كانت تجعلنا أمام فتاة شقراء موهوبة، موهبة بنات جيلها، ليس أكثر ولا أقلّ، فالإنتاج السوري في تلك السنوات كان في ذروة عافيته، والأسماء كثيرة على سطر واحد، يمكن أن تتوقف قليلاً عند “رجاء” المحجّبة في “ذكريات الزمن القادم”، أو “نضال” المسترجلة في “أشواك ناعمة”، لكن الوقوف المطول سيكون عند بثينة “زمن العار”.
شاهدها في ذلك “الزمن” يحيى الفخراني، فهاتفها لتكون “زينب” الصعيدية التي ستسلب قلب وعقل حديث الإيمان “الخواجا عبد القادر”. كان ذلك أول انبهار “متأخر” لي بأداء سلافة، فاعتذرت عن خطيئتي بأن صرتُ مشاهداً لكلّ قديمها وجديدها، حتى ذلك المكتوب منه بـ”قلم حمرة”، فبعد هذا العمل مع حاتم علي، وربّما قبله، صار اسم سلافة فوق السطر، وهنا انتفت أهمية ترتيب الأسماء على “التتر”، فباسم سلافة، يمكن أن تشاهد في مسلسل بيئة شامية، بحكايات مكرورة بناء على طلب السوق، أداء عالمياً، بقليل الكلام، فالقصة والسيناريو والحوار يمكن تتبعها بخطوط جَبينها.
سلافة شقراء مثل نيكول كيدمان وإيما ستون وجينيفر أنيستون، وموهوبة مثلهنّ، ليس أكثر ولا أقلّ. فمن دون سجّادة حمراء، يمكن أن توصف ابنة “سَلمية” بـ”العالمية”. صحيح أن هذا اللقب سيكون كأنه “كرم” منّي، وممن تبهرهم موهبتها، لإيماننا أن الذي يحول بين العرب والعالمية لا علاقة له بالموهبة، لكنّ اسم سلافة ارتفع كثيراً فوق السطر، وهي ما تزال في منتصف العمر والتجربة، وكلما تخطت العمل من أجل “السوق” أو قاعدة “هذا الموجود”، فيصطف اسمها بجانب من “خسرتهم” العالمية، مثل أحمد زكي.. الأسمر.
أحبُّ صوت سلافة، لكني بعد كلّ مشهد مهم أو مؤثر لها، أعيد المشهد كاتماً الصوت. أقرأ أداءها مثل طالب في “المعهد العالي”، أحلله مثل روائي يبحث عن بطلة، أتعلّم منه مثل ممثل “كبير” فاته الكثير، أتأمله مثل مخرج يبحث عن كتف.. ومثل عاشق.