في الأعوام الأولى من عقد السبعينيات، كان عادل إمام “الزملكاوي” عائداً من منزل صديقه “الأهلاوي”. من سيّارته الإيطالية، شاهد شوارع القاهرة “تحمرّ” احتفالاً بفوز الأهلي، وتذكّر أن أغلب أصدقائه وأقربائه يشجعون الفريق الأحمر، فاتخذ قراراً قبل وصوله إلى البيت بالتحوّل من زملكاوي إلى أهلاوي. كان “التحوّل” سهلاً على “عادل”، صحيح أنّ الأمر لم يكن بحاجة إلى جراحة أو تبديل وثائق، إلاّ أن في التشجيع النادويّ عاطفة حارة، وانتماء لا يمكن تغييره في وقوف قصير على الإشارة الحمراء.
كان “عادل” في أول شهرته بعد تخرّجه من “مدرسة المشاغبين”، قد توقّف عن الجهر بأنه ناصريّ، فقد كان السادات يوسّع قبضته، مطلقاً حملة بوليسية ضد “العهد القديم”. شارك “عادل” في بطولة فيلم ضدّ المرحلة الناصرية، فأهداه “الرئيس المؤمن” كلباً، حافظ عليه “عادل” حتى مات قبل وقت قصير من مقتل صاحبه على المنصّة. في الثمانينيات امتدّت شهرة عادل إمام إلى كلّ الناطقين بالعربية، حتى صار عنوان مرحلة، فقال داعية بفكاهة: كنا نأمل أن يرزقنا الله بـ “إمام عادل”!
على المسرح، ولسنوات طويلة، ظلّ “عادل” يردد عبر شخصية “زينهم” عبارته الشهيرة “اللي يحكمني أصفقله وأدعيله”، وهكذا طوال ثلاثين عاماً من حكم حسني مبارك، صار وصف “عادل” بأنه “ابن السُلطة” التي أعطته مساحة جيّدة لنقدها في التسعينيات، ربّما مكافأة له على اصطفافه معها في مواجهة الإسلاميين. ومع تصاعد المعارضة ضد مبارك في بداية الألفية، تصدّر “إمام” للدفاع عنه، وقيل الكثير عن صداقته لـ “الرئيس الوريث” جمال مبارك. قامت ثورة يناير، فقدّم إمام مسلسلاً سيّئاً في تمجيدها. جاء رئيس إخواني إلى الحكم، فامتدح “ذوقه الفني”. عاد “العهد القديم” بأسماء جديدة إلى الحكم، فكان أول المصفقين.
وفي “لكن” أيضاً، فإنّ عادل إمام فضّل المال السريع على القيمة الخالدة، لذا كان يكرر التعاون مع المخرجين “المطيعين” في أفلام خفيفة يتدخل في كتابتها وإخراجها واختيار أبطالها، ففي الثمانينيات كان السجين الذي يصفع “العنبر” بأكمله، ثم يحكّ أرنبة أنفه، والرجل الذي لا تستعصي امرأة على قبلاته. وفي التسعينيات، وهو يتجاوز الخمسين، كان الشاب العاطل عن العمل، الذي تأخّر “قليلا” في الزواج، ولما يخضع في منتصف الألفية، لحكم الزمن، فيكون أباً لأربعة أبناء بأجسام رياضية، تختاره الفتاة الشقراء من دونهم لمشاركتها “التجربة الدانماركية”.
ووراء “لكن” ألف استدراك، كلها لا تمنعني من التصريح بأنّي أحبّ عادل إمام. أحبٌّه هلفوتاً، مشبوهاً، حرّيفاً، نمراً، وغولاً. أحبُّ سرحان عبد البصير الذي أماتنا وأحيانا ضحكاً، وبهجب الأباصيري الذي كان يريد شيئاً من التقدير بعد أربعة عشر عاماً أمضاها في الثانوية. أحبُّ المصريّ، القمحيّ الذي عبر البحر المتوسط ليكسر الحصار عن المقاومة الفلسطينية في بيروت. لديّ أسباب كثيرة لهذا الحبّ، ليس فقط لأنه قتل الحنش، وأدخل الحبّ إلى الزنزانة، أو لأنه أطعم الرهائن في مجمّع التحرير كباباً، بل لأنّي أحبُّ ما ذهب من عمري.