هاتفٌ ذكي أو شديد الذكاء، ليس بالضرورة أن يكون ثميناً وابن الموسم. كوريّ أو أميركيّ هذا ليس موضوعنا، المهمّ أن فيه كاميرا واحدة على الأقل، وبعداً واحداً ربّما يكفي، وشحناً لا ينفد، وتفاصيل يومية كثيرة، في المتن أو في الهامش، ليس ضرورياً أن تكون مدهشة وخاطفة للبصر، المهمّ فقط أنْ يملأ حامل الهاتف جداره الافتراضي بالصور الثابتة أو المتحرّكة، ليس فقط للدلالة على موهبته المشكوك فيها، بل للتأكيد على أنّه يزاول الحياة، وأنّ لديه حسّاً.
أثناء القيادة على الطريق السريعة أو المشي في سوق الأقمشة، أو قبل دعاء النوم، كلّ شيء قابل للتوثيق: قطة في قيلولتها قرب سوق السمك، معطف على كرسي وفنجان قهوة بلا مبرر فني، حبل غسيل لرجل أعزب، وردة خارجة من كتاب بوضعيّة لم تخترها، غروب الشمس (.. وكأنّه ظاهرة اكتشفتْ عصر يوم أمس)، غيمة واحدة في السماء مع عبارة ركيكة عن فوائد الوحدة، مواطن صالح ينقذ حيواناً تحت شجرة، وأعلى الصورة انبهار باكتشاف الإنسان الأول.
صور ثابتة أو متحركة لكوب شاي ساخن وعبارة في مديح البريّة، قهوة تركية للإيهام بأنّ حكمة عظيمة ستنبتُ من طبقة البُنّ، ثمرة إجاص على طاولة في الشرفة للدلالة على التنوع الغذائي، نصف قطعة بسكويت للدعم العاطفي على انسداد النفس. إطار سيارة نائم، براز عصفور على زجاجها، أوراق على الكرسيّ الجانبيّ، نظارة طبيّة، قلم لم تتح لنا معرفة لونه، وكلّ ما يؤكد أن الأفكار العظيمة تأتي أثناء القيادة. كبة شاميّة، ومنسف أردني، ومفتول فلسطيني، ومحاشي مصرية، موثّقة منذ رشّة الملح حتى صعود اللقمة، والحرج الشرقيّ العام هو فقط ما يمنع توثيق خروجها.
هذه صورة لعائلة من الضروري أنّها سعيدة تجلس أمام التلفاز الذكيّ في سهرة الجمعة، وهذا الولد الشقيّ يرقص فوق السرير على موسيقا الراب، وهذه ربّة البيت تحتضن العاملة الآسيوية في صورة حازت على ألف إعجاب في نصف ساعة. هذا أيضاً فيديو للابنة الوسطى مع زميلاتها يغنين “على حسب وداد” مع رقص مثير بالعصا، وهذا الشاب المبهور برجولته يجري بثاً مباشراً من الحمّام لحلاقة ذقنه.. وعندما تغلق حسابكَ الأزرق يحقّ لكَ أن تسأل العائلة السعيدة: لماذا إذن أغلقتم باب البيت؟!
تفاصيل التفاصيل مصوّرة بين يديك، فلا ضرورة للخيال، ولا لألف كلمة لا تملك منها عشر كلمات مترابطة، فقط أخرج هاتفك وقل لصديقك: انظر. تفتح البثّ المباشر فتصير طرفاً في حرب الشمال، وتشاهد معركة الحيّ على يوتيوب وتحذّر ابن عمك من طعنة غادرة. في هاتفكَ أعراس شعبية، ومشاجرات بالأسلحة البيضاء، وطريقتان لإعداد محشي الكرنب، وواقعة تحرّش جماعي، وحادث رهيب على الأوتوستراد، نجوتَ منه بالطبع، وستعرفُ فيما بعد الفرق بينكَ وبين الإنسان القديم.. فأنتَ يا ابن الذكاء الاصطناعيّ حين تغمضُ عينيك لا ترى شيئاً.