ليس لي سوى أمنية واحدة: أن أعثر على إنسان عربي بسيط ليس لديه “تحليل” خاص في أحوال أفغانستان الجديدة.
منذ أن أعلن في الشريط الأحمر الساخن أن حركة طالبان سيطرت على كابول، سمعتُ وقرأتُ آلاف “التحليلات” في القنوات الفضائية والأرضية، فوق الهواء وتحت الهواء، في الافتراض والواقع، تتنبأ من دون تردد أو تلعثم بسيناريوهات الحرب الجديدة، الثالثة أغلب الظنّ، وتفسّر على ألف معنى النوايا الأميركية من الانسحاب المفاجئ. “تحليل” في تويتر توقع أن حرب طالبان الجديدة ستكون مع الصين، و”تحليل” في فيسبوك أكد أنها ستكون ضدّ إيران، وثالث متحرك على يوتيوب حسمها باتجاه روسيا.. وهكذا حتى سابع جار.
استُدْعي “المحللون” للصعود على الهواء بذخيرة لغوية مستعملة في حرب أفغانية سابقة، مع الإشارة المتكررة إلى أنهم “خبراء في الشأن الأفغاني”، لكنّ هذا لا يمنع من استدعائهم بصفة “محللين احتياط” في الحرب السيبرانية بين روسيا وأميركا. ساعات طويلة من البث ورد فيها “أنا” بصفته ضمير المتكلم المنفصل، أكثر من “هبة الله أخوند زادة”، مع توقعات في كلّ الاتجاهات، تصلح لأيّ حرب، ولا فرق إن قرئت من اليمين إلى اليسار، أو العكس، مع تواضع بسيط في نهاية الحديث أن “الله أعلم”.
سائق التاكسي لديه “علم مسبق” بتحركات طالبان من “قندهار” إلى “قندوز”، يرويها مع تفاصيل تشويقية عن تضاريس أفغانستان كما شاهدها في المسلسل الصعيديّ. وبائع الكتب المستعملة “على اطلاع” بخطوات الحركة المقبلة، مع ثقة مبصرة بأنّ طالبان ستصدّر الثورة إلى الدول الرخوة (وهو تعبير قرأه في كتاب ذائب من فرط الاستعمال). ربة البيت لها وجهة نظر، كتبتها في منشور طويل خلاصته أن “دوام الحال من المحال”، وعبارات وأمثال تستخدم في صراع الحماة والكنة، أما الطلبة الذين ينصبون الفاعل، فلم يختلفوا سوى على سعر أوقية الأفيون.
أين يمكن العثور على الإنسان العربي البسيط، طالب المعرفة، المندهش دوماً، ذلك الذي كان يضم كتفيه عند الاستماع خشية أن تسقط مفردة على الأرض قبل أن تصل أذنيه. إنسان ليس على “اطلاع كامل”، ولا “ثقة مطلقة” بين فكيه، يخلو من النيكوتين واليقين الضار، ولا يكثر من استعمال ضمائر المتكلم في الصعود والنزول. إنسان لا يعيبه أن يقول: لا أعرف، وأن الأحوال في أفغانستان ليست واضحة مثل فوائد الشاي الأخضر. أين يمكن العثور عليه.. الإنسان العربي الذي لم يكن يصدّق سوى القناة الأولى!
وليس لي سوى أمنية أخيرة: أن أعثر على إنسان عربي بسيط لا يجتهد بتسمية البحر الذي تطلّ عليه أفغانسان!