عندي نية صادقة بالتطور إلى كائن إيجابي، وأن أخرج عند السادسة صباحاً لتقبيل أعمدة النور القذرة في الشارع، قبل المشي الرياضيّ بجانب السيارات المنتفخة بالعوادم. في رأسي، وقلبي أيضاً، استعداد فطريّ للتكيُّف مع الواقع، مهما كان واقعياً، وأظن أن في ذراعيّ ما يكفي من نسيج ليفي لأطرق بلا كلل باب الأمل. لستُ متطيّراً، ولا أخشى “خيانة الفرح”، يمكن لأغنية جديدة أن تعلمني الرقص، ويمكن لهدف في الوقت الضائع، أن يعيدني إلى الوقت الأصلي.
مستعد للنهوض مع طلاّب المدارس في صباح كانون الثاني. لن أنتظر خيوط الشمس، سأستحمّ بالماء البارد، وأحلق لحيتي الخشنة، وألتقط شعرة بيضاء من حاجبي. سأشرب القهوة حلوة، وأسبق فيروز إلى الكوبليه. أقرأ طالعي في الصحيفة، إن كان إيجابياً سأبتسم لتعزيز الإيجابية، وإن كان سلبياً سأمدّ له لساني، ثم أخرج إلى “الحياة الحلوة” على مسؤولية فريد الأطرش، فألقي تحية الصباح على الأرصفة السوداء المقشورة، وأنزع أكياس القمامة من على الأشجار التي تشهق عطشاً.
سأغفر للسائق الذي يرشقني بالماء البنيّ، وأهديه تحية نصف عسكرية، سأبتسم لمأمور الضرائب وأدعوه لتناول الخبز الفرنسيّ بالضريبة، ثمّ سأجلس في شرفة مقهى في وسط البلد، للتفرّغ لحلّ صراعاتي الداخلية، وقياس التكامل النسبيّ في شخصيتي بملعقة الشاي. سأجري مقارنة بالحبر الجاف في الهامش الأبيض فوق الكلمات المتقاطعة، بين ما كنتُ وما سأكون، وما في يدي وما على الشجرة. سأشمّ هواء عكراً، وأنظر إلى المستقبل الذي يبدو واضحاً ولامعاً خلف أزمة السير.
لن أتذمّر من الوضع الحالي، والأوضاع السابقة، وسأكتفي من نشرة الأخبار، بابتسامة المذيعة بالشفاه التي تعرّضت مرتين على الأقل للنفخ. سأكفُّ عن التفكير السلبيّ في النصف الفارغ من الكأس، وعند الخروج لمشاهدة التنمية وهي تنمو، لن أضع العربة أمام الحصان. سأتخلص من كل المعتقدات السلبية مع قشر المكسّرات والعلب الخضراء، وأتخلى عن هوايتي البليدة بمشاهدة أفلام عادل إمام القديمة، للتفرّغ لقراءة ستمائة وإحدى عشرة طريقة لتقدير الذات، مع صورة غير مبررة لوردة عبّاد الشمس.
أعرف أن وجهي لا يصلح للسعادة، وضحكتي المفقودة ليس لها أسنان سليمة. أعرف أيضاً أن دماغي المحشوة بالأغاني العراقية الكئيبة، لن تسمح بالإقامة الدائمة لملخصات علم النفس الإيجابي، لكني مضطرٌّ لتصديق الأصدقاء الإيجابيين الذين يتكاثرون طالما أني سأدفع فاتورة العشاء البحري، وسأهتف مع أوبرا وينفري على ورق مصقول “أنا لا أؤمن بالفشل”، وسأضحك استجابة لنصيحة وحيد حامد القديمة، حتى تطلع الصورة حلوة. إذاً النيّة الصادقة متوفرة لدي للتطور إلى كائن إيجابي..
فقط لو أنّ ابن حلال يدلّني على كبسة الطاقة الإيجابية!