على مقاعد مدرسة المشاغبين المحدودة، كان عادل إمام يجلس في الصفّ الأول وحيداً، وأحمد زكي في الصفّ الأخير، يسندُ طالباً مشاغباً هو سعيد صالح.. في هذه المسرحيّة الشهيرة كواليس مثيرة، منها أن سعيد صالح تنازل عن دور “الزعيم” بهجت الأباصيري لإمام، وهو تنازل لم يقتصر بالطبع على المسرحية التي حملت نبوءات أخرى، فـ هادي الجيّار ظلّ هامشياً، فيما فقدَ يونس شلبي القدرة على الإضحاك ثمّ على الضحك، ومات مهملاً بائساً. ممثلٌ واحد بدا أنّه خرج عن الأقدار غير المكتوبة: الشاعر الأسمر اليتيم، الذي صار نجماً ثقيلاً فيما تبقّى من سنوات السبعينيات، فتركَ مقعده خلف الزعيم في الفصل المسرحيّ، ورفض في بداية الثمانينيات المشاركة في المسرحية حين عُرضت في السودان، فقد كان له “موعد على العشاء” مع سعاد حسني.
لم يصبح عادل إمام صديقاً لأحمد زكي، كما قد يحدث للزملاء حين يغادرون مقاعد الدراسة. ولم يكونا عدوين، فقد كان إمام يقول إنّ زكي يوقّع مع عقد الفيلم على عقد الجائزة، وكان زكي يمتدح إمام الذي يتصدّر الإيرادات خمس مرات في الموسم، لكنّ مفارقة وقعت عام 1983 بين الزعيم والشاعر اليتيم تستحقُّ الشرح بعد الفاصلة المنقوطة؛ خاض إمام تجربة مع المخرج الواقعيّ محمد خان في فيلم “الحرّيف”، وكانت تجربة استثنائية فنياً، لكنّها فشلت في سباق الإيرادات، وزكي كان يخوض تجربة تجارية ناجحة في فيلم “درب الهوى”، لكنها فقيرة فنياً. لم يكن إمام سعيداً، بل إنّه وضع علامة شديدة السواد على خان ورفض التعاون معه مجدداً، ولم يكن زكي أيضاً سعيداً لأنّه نجح تجارياً، وفوّت فرصة “الحرّيفْ”، بل إنّ رواية مبالغاً فيها تقول إنّه توجّه لصفع خانْ الذي خانَهُ.
راكَمَ إمام الثروة في البنك، وغطّى زكي الحائط بالجوائز.. ولم يكونا صديقين، ولم يكونا عدوّين، لكنّ الزعيم رفض سيناريو “البيه البوّاب”، ولما عُرِض على زكي انتفضت كرامة الشاعر اليتيم، فرماه كما يرمي الفقيرُ معطفاً مستهلكاً من ابن ذوات، ثمّ عاد إليه، وجسّده بتقمصه الفريد الذي جعل من “عبد السميع” علامة سينمائية لمهنة حراسة الأبواب. جاء عقد التسعينيات وإمام يدخل الخمسين، وزكي الأربعين، أما الفارق الفنيّ بينهما، فأراد الزعيم تعويضه بأعمال ضدّ النسيان من صناعة وحيد حامد وشريف عرفة، وكان زكي يعود إلى المنطقة المضمونة مع عاطف الطيّب في علامتين لا تمحيان.. ولم يكونا صديقين، ولم يكونا عدوّين، لكنّ الزعيم حسم النزال حين تداخلت مناطق لعبهما وتنازعا على فيلم “الإرهابي”، فخسر اليتيم وتذكّر يُتمَه.
مات سعد اليتيم في العام الرابع من الألفية الجديدة، في سنّ الخامسة والخمسين، وهو ناصر في 56، وبعد أن عاش حلمه في أيّام السادات الطويلة، وختَمَ عُمره بمطابقة لونه الأسمر على صوت العندليب. جاءت وفاة زكي وإمام في دبي يصوّر فيلمه الخفيف “السفارة في العمارة”، ويراكم الأسماء المُرقّمة في صفحته على ويكيبيديا. انتدب أبناءه للعزاء، وقال كلاماً عن المحاسن لمسجّلات الصحافة، فلم يكونا عدوين. ولم يكونا صديقين، فواصل الزعيم أعماله بلا حرج، وبعد سنوات صار مُسنّاً، محاطاً بأحفاد ذوات، ونساء مغرمات، في قصص خارج الزمان، وأماكن التصوير محدودة بين القصور، وبين موسمين رمضانيّيْن، ربّما يجلسُ تحت الشمس في حديقة قصره، وفي لحظة عَدْل واحدة يسأل صداه: إن كنتُ “الزعيم” فمن هو “الحريّفْ”؟!