كيف تكون “مناضلاً” ضد الاحتلال، ثم تبحث عن أي ديكتاتور في العالم لتؤيده ضد شعبه. كيف تكون معتقلاً في سجون احتلال، ومن سجنكَ ترسل برقية حب إلى ديكتاتور خشب كرسيّه من عظام المساجين. كيف تكون مشروع شهيد ومن تحت قصف الاحتلال الهمجيّ، تصفّق لطائرات الديكتاتور وهي تقتنص قلوب الأطفال. كيف تهجو الفيتو الأمريكي ضد حقك في التحرر، وأنتّ تصوت ضدّ معاقبة الديكتاتور.. هذه هي الخلطة الفلسطينية الكريهة.
فلسطينيون (من دون أل التعريف) يكتبون شعراً رديئاً في جرائم الديكتاتور، وفلسطينيون يرفعون صورة الديكتاتور الذي لم يرمِ رصاصة فارغة نحو أسوار القدس، وفلسطينيون يبرقون للديكتاتور لتهنئته بـ “الحركة التصحيحية”، أي عيد استيلاء أبيه على السلطة، وتسجيل البلاد باسم العائلة والطائفة. فلسطينيون (من دون أل التعريف) يهتفون للديكتاتور الذي قتل من الفلسطينيين أكثر مما سيقتل من الإسرائيليين في الحروب المستحقة عليه ضمن بند “حقّ الردّ”.. فلسطينيون وكثيرٌ من العار.
امرأة فلسطينية اشتهرت في السبعينيات بخطف الطائرات من أجل فلسطين، شوهدت على مقربة من الزنازين والمقابر، تصرخ دفاعاً عن الديكتاتور وحربه الوحيدة ضدّ شعبه بمساندة ثلاثة أنواع من الاحتلال، وبمستوى قياسيٍّ من الأدرينالين، ندّدت بـ “المؤامرة الكونية” ضد الديكتاتور، وبعد أن أنهت كلمة طافحة بالزبد، وصفّق لها الرفاق، لم تخبرنا كيف يمكن خطف طائرات نظام الديكتاتور قبل أن تلقي البراميل المتفجّرة على السوريين الذين يحبون فلسطين.
فصيل اسمه “الجبهة الشعبية” كل أمنائه العامين كانوا أوراق شدة في جيب الديكتاتور الأب، شوهدت كوادره التي أعُدّت من أجل “تحرير فلسطين” تحتفل بالنخب الأحمر بسقوط الغوطة بعد جرعات القصف الكيماويّ، فيما مكتبه السياسيّ متفرّغ لكتابة الرسائل باللغة البائدة لتحية “صمود” الديكتاتور. فصيل آخر منشق مع إضافة “القيادة العامة” لقائمة اسمه عديم الفائدة، قتل من الفلسطينيين والسوريين في مخيم اليرموك، ما لن يقتل من الإسرائيليين في معاركه المؤجلة من أجل “تحرير فلسطين”.
فصائل وفصائل تختلف على اللون الخامس الذي “ينبغي” إضافته للعلم، وعلى الصفة التي “ينبغي” أن تتبع اسم فلسطين. تذهب هذه الفصائل كلّ شهرين إلى القاهرة ليلقّنها ضابط المخابرات المصريّ حروف الوفاق والاتفاق، وبعد العودة إلى رام الله وغزة تقتتل إما بالحبر أو بالدم، وتعود إلى الاختلاف حتى على حقيقة لغوية ووطنية لا تقبل النقاش، بأن فلسطين ممنوعة من الصرف. فصائل وفصائل تختلف على كلّ ما هو متفق عليه، ولا تتفق إلا على حبّ الديكتاتور.
السلطة الفلسطينية المنتهية الصلاحية في رام الله، تهنئ الديكتاتور بأعياده ومجازره، وتصوّت ضد محاسبته على جرائمه، إذاً فما هو مسموع عن الفظائع في سجونها لا يمكن تكذيبه. سلطة الأمر الواقع في غزة، وحليفها “الجهادي”، يهدون أيّ نصر مُتخيل في القطاع المُختطف إلى الديكتاتور “المقاوم والممانع”، إذاً فما هو مسموع عن الفظائع في سجونها لا يمكن تكذيبه، وإذاً أيضاً فإن ملامح الحُكم في فلسطين “بعد التحرير” قد اتضحت، ولم يعد ممكناً تفاديها..
.. أو أن نؤجل “تحرير الأرض والإنسان”، حتى نحرّر الإنسان من حبّه للاستبداد!