كنتُ متأكّداً أنك ستموت مبكراً يا دييغو، فلو لم تمت في الستين تماماً لنقصت أسطورتك. أجزم أنّك أيضاً كنتَ مدركاً لذلك، لهذا رحلت من دون أيّ مقاومة تذكر، فلم تتشبث بالحياة وتعض بأصابعك على قضبان السرير. صحيح أنّك خرجت من المستشفى على قدميك، وأبدى المقربون منكَ تفاؤلاً بأنك ستعيش عشرين عاماً أخرى، فـ “حالتكَ ليست خطيرة”، كما قال الأطباء، لكنك خدعتَ الجميع، ورفعت قبضة يدك ملوّحاً.. وفي هذه المرة ليس لتسجل هدفاً ماكراً.
في كلّ مرة كنت تفشل، كنت تؤكّد أسطورتك. فشلتَ في رفع الكأس الثانية، وخرجت من الثالثة مطروداً. ربّما لم تتقصد ذلك، بدليل أنك بكيت في المرّتين. لكنّ الأشياء العظيمة لا تحدث سوى مرة واحدة، لذلك راوغت نصف الفريق الإنجليزيّ، وسجّلت بيدك هدفاً ثانياً بمساندة الربّ، في حرب الفوكلاند الكروية الشهيرة، وحملتَ خمسة كيلوغرامات من الذهب، هي حتى الآن أغلى معادن الأرجنتين. ثمّ بدأت النزول من على المنصة، إلى حقل الكوكا، تماماً كما يحدث في فيلم عظيم.
فشلتَ في الحبّ. خيباتك فيه أكثر من أهدافك الرائعة، كأنك كنتَ تتقصد ذلك لتكمل مشيك السينمائي. فشلت في تدريب كرة القدم. خرجت بفضيحة من المونديال وأنت مدرّب، ربّما ليتأكد لنا أنكّ آخر ما عرفته الأرجنتين عن ومن كرة القدم. فشلت في الكفّ عن إدمان الكحول، ومزاولة العبث، والنزق الحاد والغضب السريع، والكذب.. نعم لقد كان كذبك حلواً، فقد تعرّضت للخطف على أيدي كائنات فضائية، ونقلتكَ إلى مكان خارج كوكب الأرض. كُنّا نصدّقك يا دييغو!
تبكيك يا دييغو نابولي وكنائسها وحاناتها الفقيرة. تعيسة بوينس آيرس، فقد انطفأت منها “شمس مايو”، أما الحزن فيتكلم الآن بالإسبانية من إشبيلية حتى لانوس. كلّ أيّام الثمانينيات تذكرك، فقد كان “مارادونا” ساكناً في كل الأحياء الفقيرة من جاكرتا حتى صنعاء، ومن بورسعيد إلى أبوجا، ففي كلّ حي كان هناك لاعب قصير، داهية، يرتدي قميصاً مقلماً باللون السماويّ، مكتوباً عليه بخط فقير الرقم عشرة. هؤلاء كلهم حزانى من أجلك، فلا تخذلهم، ولا تقل لهم إنك مت. اكذب مرة أخرى. قل إنك فقط ذاهب للسلام على فيدل كاسترو.
أنا أيضاً حزين يا دييغو، فقد أضعتُ فرصة لقائك. كنتُ لسنوات أبعد عنكَ مائة كيلومتر فقط. كان يمكنني الدخول إلى الملعب. صحيح أنها كانت ستكون مغامرة، فلا أحد كان يضمن متى يكون مزاجك رائقاً أو سيئاً، ومتى تفور عصبيّتك أو تبرد. كما أن لك عداء معروف مع الصحافة. أطلقت مرة النار عليهم من بندقيتك، وطاردت أحدهم أربعمائة متر، فهل خفت من مقابلتك، وطلب صورة معك. لا كنتُ متأكداً أنّي لو صافحتك، ستعانقني وتكرّر عبارتك أيّها اليساريّ العظيم: أنا فلسطيني.