هذه قد تكون قصّة حقيقية، وشديدة الدقة لحياة السيّد بيّومي فؤاد، وقد تكون صورة قلميّة شديدة القرب من حياته الأصلية، وربّما هي بعيدة تماماً عن وقائع أيّامه الأولى وأحواله الأخيرة، وكل ما في الأمر أنّ لدى الكاتب في هذه الزاوية وجهة نظر أراد وضعها على كتف السيّد بيّومي، لتبدو أنّها حكايته الأصليّة، رغم أنّ ويكيبيديا رفض إضافتها دون إمضاء إلكتروني موثوق من صاحب الشأن.
ولد بيّومي فؤاد في العام الخامس من عقد الستينيّات، فنجا من الذاكرة السيّئة للنكسة، وهذا سبب ذو صلة بأنه كان فكاهياً، ولم يكن لديه أيّ صدمات نفسيّة، بل إنّه قبل أن يبلغ العاشرة أخذ حصته الوطنيّة كاملة من السعادة عندما بثّ التلفزيون الرسميّ أنباء مؤكدة عن مشاهدة النصر يعبر من “أكتوبر” إلى الضفة الأخرى من “القنال”، فأكمل طفولته كما هي مقرّرة في المنهاج الرسمي.
مشى حرِداً وراء خطوات أبيه إلى كليّة الفنون الجميلة، في بيئة الزمالك المحدودة، وتخرّج إلى الوظيفة بعد وقوف اضطراري في طابور الخريجين، وجاء تعيينه في مسمّى وظيفي طويل، مهيب: “رئيس قسم ترميم اللوحات الورقيّة في قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة”، واندمج في الحياة المصرية على طرفيّ النيل، وتزوّج كأنّ الزواج يتبع التسلسل الوظيفيّ، وأنجب باقتصاد وفق النصائح غير الملزمة لنشرات تنظيم الأسرة على القناة الثالثة.
ربّ أسرة حديث كان في التسعينيّات، له دوام رسمي غير ملزم، وغداء مصري قليل الكلفة بدسم عال، يتبادل الزيارات العائلية مع أنسبائه، وله بالطبع أوقات ضجر يُنفقها على المقهى برمي النرد. فهل كان يمكن تمييز رجل في الثانية والثلاثين، اسمه بيّومي، وله نسخ عالية الشبه من متولي، وشحاتة، وهيئته شائعة بسُمنة طبيعية وأخرى مكتسبة بعد الزواج، يتعشى “كباب وكفتة” في آخر الشهر، وفي أوّله جبنة روميّة، وزيادة في الملح.
صار رجيلاً أربعينياً يصعد مسرح الدولة كلّ مساء، ليؤدّي أدواره التي كان يظهر بها في ميدان التحرير قبل الظهر، وأيّام الإجازات، يتقاضى أجراً بسيطاً يسلّمه لزوجته لتدويره في “جمعيّات”. والأحلام أيضاً كانت بسيطة، أن يصفق له جمهور من خمسين شخصاً، فيرى أن لجنة تحكيم وقفت بكاملها لتأدية التحية، والطموح لأن يصبح مشهوراً في السينما والتلفزيون، كان لرجل ثقيل الحركة كالصعود للطابق العشرين على السلالم، فاكتفى بالدرجات الثلاث إلى “المسرح”.
ذهب بقوة دفع أصدقائه للوقوف أمام مساعدي شريف عرفة، عندما اكتشف شبهاً من الموسيقيّ الشهير أحمد فؤاد حسن، فقدّم دوراً صغيراً في فيلم “حليم”، ناطقاً في مشهد، وصامتاً في مشاهد، وبعد ثلاث سنوات ظهر في مشهد واحد في فيلم “دكّان شحاتة”، هكذا كان رجلاً مدخناً في نهاية الأربعين، أراد صعود الطابق العشرين، فأقام ثلاث سنوات عند سكان شقة في الطابق الأرضي، وفي الخمسين تماماً وصل الطابق التاسع عشر، واستراح.
يظهر بيّومي فؤاد اليوم في التلفزيون، في ثلاث قنوات متتالية، وفي الرابعة تكون لقطته انتهت للتو. أصبح نجماً، له مساعد يحفظ مواعيده، وسائق للوصول إلى “أوردرات” التصوير، وله أجر متذبذب، لكنّ الكباب فيه غالب على الجبنة الرومي، وما زال أسمر “زيّنا”، وله موعد مشي في الحياة المصرية على جانبيّ النيل، وفي جيبه إجازة بدون مرتّب. بإمكانه أن يصعد إلى الطابق العشرين، ويكون اسمه غير الفنيِّ أولاً في الـ “تتر”، لكنه يفكر بمهنة أخرى: ترميم اللوحات الورقية!