أرضٌ جديدة، تقول وكالات الأنباء إنّها أكبر من هذه الأرض المهترئة. ليست قريبة، السفر إليها سيكون بمشقّة ألف وأربعمائة سنة ضوئية، أي ربّما ما يُعادل المشي بلا أهل في حرب أهلية. ولا معلومات جديدة يضيفها السيّد الأبيض غوغل، بعد النبأ الذي أعلنه علماء موثوقون عن اكتشاف كوكب يشبه الأرض (عالم ملتحٍ وصفه بأنه أقرب الأربعين شبهاً)، وهذا يعني أن هناك مناطق حارة في بطنها ماء أسود، وتوزيع غير عادل للمنافذ البحرية، وثمة قارة صبيّةٌ بيضاء مدللة، وأخرى سوداء مزروعة بشجر القردة. لن أكرّر خطأ أبي بالسكن العشوائيّ على هامش الأرض، وسأبني كوخاً بالقرميد الأحمر على رأس الرجاء الصالح.
وسأذهب في السادسة صباحاً إلى دائرة المساحة والأراضي، أحجز مكاناً في أول طابور الراغبين بشراء نصف دونم من أرض حمراء تشبه “رمل صويلح”. سأدخر هذا المكان حتى تحدث حروب الأهل في دولتين شمالية وشرقية ستنشآن على حزبين متنافرين من رسالة واحدة، وأذهب في صباح اليوم التالي إلى سفارة دولة إسكندنافية أحجزُ تأشيرة تضمن لي ازدواجية الجنسيّة قبل إنشاء البلد على سطح الجليد، وسيكون لديّ مشاوير كثيرة إلى سفارات دول تحت الإنشاء، وأخرى تحت الاكتشاف، قبل أن يقتصر الطريق على مركب بحري من “الجماهيرية العظمى” إلى سواحل إيطاليا. الأنباء أكدت أيضاً أن الأرض الجديدة قد تخلو من الطاعون، لكن ربطت ذلك بأن يبقى كريستوف كولومبوس على جهله بأنّه قد عاد إلى الهند.
واسمي أيضاً سيكون “كنعان”، وستذهبين معي قبل بدء التاريخ إلى بلاد الكنعانيين في سرة الأرض الجديدة. “شلبيّة” هي، ومثلكِ طويلة، ونحيلة، وخصرها مغناجٌ، كما النساء الخرافيّات في حكايات البحر القديمة، ستنشغلين نصف الألف من الزمان بزراعة البرتقال، والبرقوق، وتسمية “السناسل” بين حقول التين الزيتون، وأنشغل نصف الألف من التاريخ بكتابة أسماء أولادكِ على الرّمل الحار في عكا، سيكونُ لنا ياسر وجورج وياسين وأمين وادوارد. وسيعقد الشذاذُ من كلّ الآفاق مؤتمرهم في “بازل” الجديدة، وكما حدث في الأرض القديمة، ستقوم حربٌ قد تنتج عنها نكبة، وخيام تمتص المطر، ثم صفيح طارئ، وطوب مرتجل، وكروت زرقاء لقمح معلّب، وشاعرٌ يصف الندم: كانت تسمّى فلسطين.
الأرض جديدة، بيضاء، مثل فراش فندقيّ في الظهيرة، والحكايات فيها ستخلو من الأخطاء التاريخية، فقابيل ذهب إلى هابيل في الحقل واقتسما الخبز وحبّة الطماطم. والحسين لم يخرج من المدينة إلى الكوفة، واكتفى بـ “المعارضة”. ستمرُّ ألف وأربعمائة سنة أخرى على الانفجار العظيم، خالية مما يستحقّ الذكر في كتب التاريخ وصور الجغرافيا القديمة. سأتزوّج ابنة عمّي هابيل في الكوفة، وسيأتي ضيوف على عجل من حماة، والطائف والاسكندرية، وسأهديها علياً وتهديني عائشة. وعلى الأرض الجديدة لن تحدث الحرب لأنّ كُليْباً قتلَ ناقة سعد، أو لأنّ الغبراء تقدّمت بغش مبين على داحس، أو لأنّ في أرض الشام والعراق الواحدة نبَتَ شيطان أسودَ باسم مشتق من الجاهلية هو داعش، فكلّ حروب الأرض الجديدة ستحدثُ لسبب واحد: تأويل ابتسامتكِ.