هذا عنوان كتاب من وحي اللاخيال. لا أخفي أنّي أجريتُ بحثاً متمهّلاً على غوغل لأتأكّد أنه ليس عنوان كتاب من ورق وحبر، حتى لا أفاجأ بمأمور المحكمة يطرق بابي، ويطلب منّي حضور جلسة بـ “التحقير والتشهير”. أما الأكثر مبيعاً، فهو مجرّد توقع مستنداً إلى عناوين مشابهة سوّقها الناشرون في معارض الكتب على أنها “كتاب الموسم”، و”الكتاب الذي أقلق منام العُشّاق”، و”الرفيق الطيّب” لكلّ من خانه الحبيبُ والمحبوب. أوراق صفراء سميكة، وغلاف صقيل، وصورة لشاب ينظر إلى القمر في أعلى الصورة، أو شابة متحجّبة ثلث حجاب، وتضع الإبهام والسبابة على خدّها، وتنظر إلى القارئ.. متربّصة.
تدخل معرض الكتاب، ولا يهم اسم المدينة، ولا رقم المعرض، أو اسم الدار، فتعترضكَ الإعلانات أمام الأجنحة عن الكتب “الأكثر مبيعاً”، تجدها معروضة بأشكال فنية: هرم، مكعّبات متداخلة، دائرة مفرغة. تنتقي نسخة، العنوان هو “أحبُّكَ وهذا قدري”، وضع ما تشاء من العناوين المتشابهة، والصورة لشاب ينظر إلى القمر، أو شابة تفكّر في أمرك، وعلى طرف الغلاف منحوت باللون الذهبي: الطبعة الثانية والثلاثون. تفتح الكتاب، إن سمح لكَ تغليف النايلون والاحتياطات الأمنية الأخرى، فتقرأ واجبات مدرسية في درس الإنشاء، أو تتمة غير أمينة لقصيدة “مرجان أحمد مرجان”.
أسماء لم تسمع بها، ليس لأنّ سمعك خفيف، وصور لم ترها ليس لأنكّ أعمش، بل لأنّها مشهورة في كتب هي ليست للبيع، إنما للعرض ولإضافة أرقام وخانات للطبعات في دورة المعرض الجديدة، هي لعبة أنت لم تلعبها سوى بالمشاهدة. هناك ناشر جائع، و”كاتب” و”كاتبة” أعطاهما الله أرصدة جارية من الرياض إلى مراكش، فاقتضت الصفقة التجارية أن يتولى الطرف الأول بصقل الغلاف، ونحت رقم الطبعة، وإضافة خانة جديدة في كلّ دورة قادمة للمعرض، ورصّها في الممرّات على شكل أهرامات، على أن يرسل الطرف الثاني شيكاً دورياً بقيمة الورق والصقل والشحن.. وكفارة الكذب.
تنزلُ إلى وسط البلد، في أيّ بلد، تتناول ديوان “لماذا تركتَ الحصان وحيداً” من رفّ بعيد عن متناول اليد في كشك رماديّ، تجده ما يزال في الطبعة الخامسة. تمسك نسخة بيضاء من رواية “باب الشمس” ولا يحزنكَ أنّها رغم كلّ هذا المجد لم تبلغ بعد الطبعة العاشرة. وعلى رفّ في متناول اليد، هناك ثلاثية “الجسد” و”الحواس” و”السرير”، بطبعات تُربكُ من لا يتقن تركيب الأرقام، وألوان جديدة للغلاف، وهناك امرأة تبتسم في الغلاف وتتربّص بك بابتسامة استدراج، فتُبْعِدُ كفّكَ عن الرفّ، وتهرول إلى الأمام أو إلى الخلف، وتعتقد أنّك نجوت.
“أحبُّكَ وهذا قدري”، وهذا أيضاً قدرنا أننا كبرنا في عصر المولات المتحركة، والمتاجر العصرية التي يتجاور فيها رفّ الكتب مع رفّوف علب المياه الغازية، وأحذية المشي السريع، وأقراص المغني المفرط في الشعبية. ضع رأسكَ في الأرض، وواصل المشي، واخرج من صفحتكَ التي على كوكب تويتر ومدار فيسبوك، ستجد أنّ النجوم اختفت تماماً من أمامكَ، ويمكنكَ الآن أن تغنّي الأطلال وأن تقفَ عليها، وتسأل بائع الكتب الكهل عن أعمال الشاعر العراقيّ الشاب بدر شاكر السيّاب، وتختار بدهاء أو ببراءة ديوان “حفار القبور”.. وتستريح.