لدى شعراء الألفية الثالثة، ثأر بدويّ مع نزار قباني. يكتب شاعر يغرف من سيل الزرقاء “من يؤمن بنزار فليغادرني”. يسخرون من شِعره ذلك الذي كتبه في أربعينيات الألفية الثانية. صاروا هم في الأربعين من عمْر فستقيّ فارغ، وما من شاعر فحل فيهم “قالت له السمراء” ما أخبرت به الدمشقيّ.
ولدى شعراء الألفية الثالثة، حقد إخوة يوسف على محمود درويش. يكتب شاعر يغرف من نكات زياد الرحباني “من يؤمن بدرويش فليغادرني”. يرمونه بجمرة العقبة، ولا جمرة بلغت ظلّه العالي. صاروا في الأربعين من منتصف العمر وأزمته، وما من شاعر غفل فيهم رأى ما يريد، كما رأى وأراد الجليليُّ.
ليس ذنب نزار قباني أنّه كان قمر النجوميّة، وله شهرة أمّ كلثوم ووزراء الخارجية. ليست خطيئة محمود درويش أن اسمه كان يطاول أسماء بلاد، وكان يهمّ بنصف نهوض لمصافحة الزعماء. ليس جرمهما أنك يا ابن الألفية الثالثة لكَ من الإصدارات نصف رصيف، ولا يعرف بشِعرك ثلاثة من أقربائك.
يسخر شعراء الهايكو (والهايكو ليس عيباً) من كليشيهات الشاعرين الكبيرين، وغيرهما من الذين خُلّدوا مع أسماء بيروت والشام وعكا. لم ينشر نزار أو محمود قصائدهما بإعلانات مدفوعة، ولم يرشيا محرّكات البحث، حتى يحمل شِعرهما هواء الجبل. الناس التي تحيا بغير القمح، هي التي أحيتهما (حتى يرث الله الأرض).
صحيح أنّ “تُنسى كأنكَ لم تكن” و”الصمت في حرم الجمالِ، جمالُ” و”الوطن هو ألا يحدث ذلك كله”، كانت مدهشة مثل الاختراعات والأجهزة الحديثة في زمنها، وصحيح أيضاً أن فرط الاستخدام والاقتباس في أول النهار وفي آخر الليل، قد أفقدها لمعانها.. لكنّ هذا ليس ذنب الشام ولا ذنب الجليل!
بعد موتهما، وحياتهما، صار لدى صبية الألفية الثالثة جدران لتدوين الهذيان والسكرة، ومن أجل إبهار الفتيات اللواتي لا يعرفن الفروق الحقيقية بين محمود الجندي ومحمود درويش، تمّ تقديم موعد الثأر، وخرج الحقد من دفنه، وانتشرت تفاهات تتهم نزاراً ومحموداً بالسطو، وأنهما قاتلا كل من لمع أمامهما بالتغييب القسريّ، وربّما كانا من قُطّاع الطرق!
لدى شعراء الألفية الثالثة، ثأر بدويّ مع نزار قباني، وحقد إخوة يوسف على محمود درويش، ورغبات مريضة بقتل الأب والعم. يسخرون ويرمون على إرثهما الجمرات، ويتناقلون عن بنات آوى قصصاً لم تحدث سوى في خيال المؤلف المحدود، وينكرون وينسون أنه لولا الفتوحات اللغوية لنزار ومحمود ورفاقهما، لكان صبية الألفية الثالثة، ما زالوا يكتبون قِفا نبكِ، وقِفا نحكِ!